نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن احد ادعيته الخاص بالقنوت، وانتهينا من ذلك الى مقطع ختم بما يأتي: (يا رؤوف، يا رحيم، يا لطيف، يا حي حين لا حي)، هذه العبارات ختم بها المقطع الاول من دعاء الامام (عليه السلام)، وتتضمن اولاً ثلاث عبارات متجانسة الدلالة، ثم عبارة مستقلة الدلالة، ونبدأ اولاً فنحدثك عن العبارات الاولى، وهي: (يا رؤوف)، (يا رحيم)، (يا لطيف): فما هي الدلالات المشتركة بينها، وما هي الفوارق بينها من جانب آخر؟
في تصورنا ان العبارات المتقدمة تندرج جميعاً ضمن مفهوم (الرحمة) مع ان صفة (رحيم) هي واحدة من المجموعة المتقدمة، فكيف نفسر دلالات هذه الصفات؟ لنتقدم اولاً بتعريف الصفة الاولى وهي (يا رؤوف)، فماذا نستلهم منها؟
الرأفة هي الرحمة الشديدة اي: الرحمة المطلقة التي اذا اطلقت وحدها تعني ما هو اعم من الرحمة العادية أو الشديدة واما الرأفة فهي: الرحمة الشديدة، واما الصفة الثالثة (يا لطيف) فتعني: الرفق والبر وما رق من الرحمة، فيكون الفارق بينها وبين (الرأفة) هو: درجة التعامل المتمثل في الدقة المتناهية مصحوبة بما هو رقيق من العواطف، بينما الرأفة تتصل بما هو: اشفاق على الشخصية فمثلاً: المسكين يرأف به اي: يشفق عليه لانه بحاجة الى من يساعده بينما اللطف يتناول مطلق الانسان بحيث يتعامل واياه بما هو ضد للخشونة مثلاً، هنا يثار التساؤل الأتي: ماهي الاسرار الكامنة وراء التسلسل للمفهومات الثلاثة: الرأفة، الرحمة، اللطف؟
الجواب: في تصورنا ان الرحمة كما قلنا، هي: المطلق من درجات الخير او المساعدة للاخر، لذلك اخذت مكانها وسط الرأفة واللطف، بصفة ان الرأفة هي منتهى الشفقة، واللطف هو منتهى الرقة: حينئذ فان الرحمة هي: ما تشملهما جميعاً وبما ان الرحمة الزائدة هي: الاولى بالمساعدة، بينما اللطف هو: الدرجة الثانية من المساعدة لذلك تقدمت الرأفة على اللطف بالنحو الذي اوضحناه.
يبقى ان نحدثك عن عبارة (يا حي حين لا حي) وهي عبارة تكشف بذاتها عن دلالتها بصفة ان الله تعالى هو الموجود الازلي وحده، وان (الْحَيُّ) هو: التعبير عن الوجود المذكور قبالة عدم ما هو غير الله تعالى من الموجودات، عندئذ تكون العبارة (يا حي)مقترنة بعدم حي سواه، وبذلك تتحدد عبارة (الْحَيُّ) التي يتفرد بها تعالى ولا يشاركه آخر فيها.
يبقى ان نحدثك عن موقعها من العبارات المسبوقة لها، كالرأفة، والرحمة واللطف الخ، وهو امر يتضح بدوره اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان صفة (الْحَيُّ) هي المعبر عن الوجود وفاعليته من الرحمة والرأفة واللطف، ... الخ، وبها يختم مقطع الدعاء الذي يتوسل بالله تعالى في الموضوعات المشار اليها.
ختاماً نسأله تعالى ان يجعلنا ممن يتفيأ ظلال رأفته ورحمته ولطفه، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******