نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن أحد أدعيته التي تقرأ في القنوت، وانتهينا الى مقطع ورد فيه: (يا ذا البطش الشديد، يا فعالاً لِّمَا يُرِيدُ، يا ذا الْقُوَّةِ الْمَتِينُ، ... الخ)، هذه الفقرات من الدعاء (تناص) او (تضمين) أو اقتباس مباشر من نصوص قرآنية كريمة، يعنينا الان ان نحدثك عنها، ونقف اولاً عند عبارة: (يا ذا البطش الشديد)، فماذا نستلهم؟
تشير النصوص المفسرة الى ان المقصود من العبارة المذكورة ان الله تعالى اذا عاقب الظلمة والجبابرة، فان عقابه تعالى أو اخذه لهؤلاء يتسم بالشدة، ونحسب من الزاوية النفسية لقارئ الدعاء ان ورود هذه العبارة بعد عبارات (حدثناك عنها في لقاء سابق) تتحدث عن كرم الله تعالى وجوده وارادته للخير، ثم كما سنلحظ بعد قليل ايضاً ان الايراد لعبارات مثل (يا رؤف يا رحيم، ... الخ) بعد عبارة: (البطش الشديد) انما تنطوي على جملة نكات، منها: ان الرحمة هي السابقة للغضب الالهي، ولاحقته ايضاً، بمعنى ان الاشارة الى البطش جاءت مسبوقة وملحقة ايضاً بالرحمة، واما النكتة الاخرى بخاصة ان مقطع الدعاء ورد فيه كما لاحظنا في لقاء سابق انه تعالى (بيده الْخَيْرُ) مما يعني: ان العقاب للظالم من قبل الله تعالى هو بدوره (خير)، بل يمكننا عندما نقرأ عبارة: «فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ» وهي العبارة التي ينتهي بها كل مقطع من سورة الرَّحْمَنُ، قد اعقبت حتى ما يرتبط بجزاء الظالمين مثل قوله تعالى: «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ، فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»، اذن العقاب بلاء (خير)كما لاحظنا.
بعد ذلك تواجهنا عبارة: (يا فعالاً لِّمَا يُرِيدُ)، هذه العبارة تظل امتداداً لما سبق ويجئ من حيث ارادته اتعالى لما يفعل ويصنع ويريد، تعبيراً عن أن عقابه وثوابه وكل ما يفعله هو: وفقاً لما يستهدفه من (الْخَيْرُ) بصفة ان القادر على كل شيء (بعكس البشر الذي يعجز عن الشيء فيلجأ الى القوة)، اذن الفعال لِّمَا يُرِيدُ تجعل قارئ الدعاء يتداعى بذهنه الى رحمته تعالى قبل غضبه وفقاً لما اوردناه قبل قليل.
بعد ذلك نواجه عبارة: (يا ذا القوة المتين) فماذا نستلهم؟
(المتين) في اللغة بشكل عام هو: الصلب القوي اي: ليس مجرد القوي بل الصلب الذي يعني: تماسك القوة التي لا تضعف بسبب المتانة، وهو امر اذا نقلناه الى ساحته تعالى: حينئذ نستكشف بسهولة معنى قوته تعالى وانفراده بها، حيث لاحظنا اولاً ان فقرة(يا ذا القوة) تشير الى مطلق القوة، ولكن اضافة (المتين اليها) تعني ما اشارت اللغة اليه من دلالة القوة التي لا تضعف وهو ما يتفرد به تعالى مثل سائر صفاته واسمائه الحسنى.
اخيراً نجد ان مقطع الدعاء يختم بالفقرة المذكورة أو يختم بما يأتي من العبارات القائلة: (يا رؤف يا رحيم، يا لطيف، يا حي حين لا حي، اسألك بأسمك، ... الخ)، هذه العبارات سنحدثك عنها في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى، اما الآن فقد استهدفنا الاشارة الى امكانية ان تكون هذه العبارات تمهيداً لما يلحق من التوسل أو خاتمة لما سبقها من صفات الله تعالى واسمائه المجيدة.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******