نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن أحد أدعيته الخاص بقراءته في مشهد الامام الحسين (عليه السلام)، وانتهينا من ذلك الى ما يأتي من القسم بالحسين (عليه السلام) بأن يتفضل الله تعالى على الداعي بجملة اشباعات للحاجات الاتية: (ولا حالاً الا عمرته، ولا حسوداً الا قمعته، ولا عدواً الا ارديته، ... الخ)، هذه العبارات تتحدث عن جملة أمور منها: ما يتصل بحالة قارئ الدعاء نفسه ومنها ما يتصل بالاعداء والحاسدين وسوى ذلك بالنحو الذي سنحدثك عنه لاحقاً ان شاء الله تعالى ولنبدأ اولاً بعبارة: (ولا حالاً الا عمرته)، فماذا نستلهم؟
مما لا ترديد فيه ان للانسان حاجاته المتنوعة ولكن ثمة حاجة عامة هي: تحقيق التوازن للشخصية بعامة بغض النظر عن تفصيلات ذلك، وهذا ما عبر الدعاء عنه بعبارة: (ولا حالاً الا عمرته) اي: اية حالة من حالات الشخصية سواء أكانت نفسية او عقلية أو جسمية او الخ، بحيث تحتاج الى العمران اي: الى تحقق التوازن لدى الشخصية بحيث لا تواجه توتراً او قلقاً أو أزمات الخ، ومن الواضح ايضاً ان التوازن العام للشخصية يجسد اهم ما تتطلع اليه حيث انه من الممكن ان يعاني الانسان من جملة مشاكل ولكنه يحتفظ بتوازنه دون ان يتعرض لأي اضطراب وهذا هو منتهى الطموح العقلائي.
بعد ذلك: نواجه عبارة: (ولا حسوداً الا قمعته)، فماذا نستخلص منها؟
الحسدظاهرة نفسية طالما يعرض لها النص الشرعي بالاضافة الى النصوص البشرية التي تتحدث عن سمات الشخصية أو الامراض النفسية ونحو ذلك الا أن الحسد بصفة خاصة يتميز عن الكثير من امراض النفس بكونه ظاهرة لا يكاد ينجو منها الا القليل، وهي ترتبط بحالة اخرى تتماثل مع المحتوى وتتفاوت في طريقة التعامل، الا وهي: الغبطة، ولكن دعنا نعرف ظاهرة الحسد اولاً ثم الغبطة، الحسد هو: تمني ازالة النعمة عن الاخر، واما الغبطة فتمني حصول مثلها عند الشخص، والاولى ظاهرة مرضية والثانية ظاهرة صحية ولكن ليس في نطاق الحاجات الدنيوية العاجلة بل في نطاق الطموحات العبادية مثلاً كما لو تمنى الشخص ان يوفق الى الاصلاح الاجتماعي او الفردي أو تحقيق حاجة ملحة كعدم الفقر او المرض الخ، والمهم يعنينا الحديث عن الحسدهنا، فماذا تعنيه الظاهرة وكيفية علاجها؟
لا ترديد في ان الحسد هو نزعة عدوانية او ذاتية بحيث ان الشخص اذا تمنى زوال النعمة عن الاخر فهذا يعني: انه (ذاتي) لا يعنى الا بحاجاته الفردية من جانب، ويعني انه كاره وحاقد على الاخرين بحيث لايهدأ له بال الا بحصول العدوان عليهم، بغض النظر عن تحديد هوية العدوان فقد يكون عنواناً اقتصادياً كما لو تمنى زوال أموال الاخرين أو اجتماعياً: كما لو تمنى خسران الشخصية موقعها الاجتماعي سواء اكان موقعاً سياسياً أو علميا أو ... الخ، ان هذه النزعة (نزعة التمني لزوال النعمة) تعد نزعة عدوانية بالغة المدى وهي تضر بشخصيته قبل غيره، حيث يحيا التمزق والاسف والحرمان والاحباط، كما انه قد يؤثر على المحسود فيستعمل حسده لازالة النعمة، ولكن لو لم يستعمل حسده فسيكون ضرره على نفسه اما لو استعمله فيكون ضرره على الاخر كما لو سعى الى ازالة النعمة المذكورة.
اذن اتضح لنا ما تعنيه عبارة (ولا حسوداً الا قمعته) حيث تعني: ان الحسود من الممكن ان يستعمل حسده فيضر بقارئ الدعاء ومن الممكن ان يؤثر عليه من خلال حسده داخلياً فتزول النعمة عن الغير حتى لو لم يستعمل حسده، ولذلك ورد في النص القرآني الكريم: «وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ».
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******