لانزال نحدثك عن أدعية الامام المهدي (عليه السلام)، ومن ذلك دعاؤه (عليه السلام) في حرم الامام الحسين (عليه السلام)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الان عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (ولا غماً الا كشفته، ولا رزقاً الا بسطته، ولا جاهاً الا عمرته، ... الخ)، ونبدأ نحدثك عن (الغم) اولاً، فماذا يعني.
(الغم) لغوياً هو: الحزن والكرب اي: الشديد من الاذى، وهو في اللغة النفسية مستويات منها: الكآبة حيث يجسد الحاد منه مرضاً نفسياً واما اذا تفاقم فيجسد مرضاً ذهانياً اي: عقلياً، بيد ان العادي من الحزن وهو ما يعنيه الدعاء يجسد حالات من الاذى النفسي: كالحزن على فقدان عزيز مثلاً ونحوه، والغم مأخوذ من غم اي: غطى، ولذلك يعتبر الغم شدة كبيرة وان كانت عادية من حيث تحديدها في لغة علم النفس المرضي، وأياً كان، فان المعنى المتقدم وهو الحزن الكبير يساعده ما ورد من توصيف ذهابه بعبارة (كشفته) فهذه العبارة تومئ الى ان الغم كالسحابة مثلاً اذا انكشفت عن السماء، حينئذ يظهر الصحو وهكذا بالنسبة الى الغم فمادام الدعاء يقول: (ولا غماً الا كشفته) اي: ازلته وازحته من اعماق قارئ الدعاء.
بعد ذلك نواجه عبارة: (ولا رزقاً الا بسطته)، هنا مع ان الدلالة واضحة بالنسبة الى الرزق وان المقصود ان يجعله الله تعالى واسعاً، فان عبارة (بسطته) تعطي دلالة اكثر دقة وطرافة، حيث ان البسط يعني قبالة القبض: كمن يبسط يده ويقبضها فاذا بسطها فهذا يعني: جعلها مفتوحة وهذا ما يتسق مع سعة الرزق حيث ان جعله مفتوحاً يومئ الى السعة مع استمراريتها، كما هو واضح.
ونتجه الى العبارة القائلة: (ولا جاهاً الا عمرته) وهي عبارة محفوفة بشيء من الضبابية الفنية اي: تحتاج الى قليل من التأمل حتي ندرك دلالتها، فماذا تعني؟
ان الاسلام في نظرته الى (الجاه) تختلف عن نظرة العلمانيين أو الدنيويين لان المؤمن لا يبحث عن الجاه والعلو والفوقية والموقع وما الى ذلك، على العكس تماماً ان المؤمن يزهد في دنياه ولا يحب ان يعرفه الناس ويشيرون اليه، وهذا من حيث الخط العام، ولكن هناك عناوين ثانوية: تجعل (الجاه) مقصوداً وله دلالة ايجابية وهو ما قصده الدعاء حقاً، فماذ ا يعني؟
لقد ورد في النصوص الشرعية ما يتوسل بالله تعالى بان يجعلنا للمتقين اماما، وورد الحرص على عز المؤمن، حيث ان الله تعالى فوّض الى المؤمن كل شيء الا اذلال نفسه، كما ورد ما مضمونه ان من لا يبالي بسمعته سلبياً: لا خير فيه، وهذا يعني ان ثمة سياقات لابد وان يكون للمؤمن من خلالها موقع أو جاه او سمعة طيبة تتناسب مع ما ينبغي ان يكون المؤمن عليه من حيث الالتزام بمبادئ الاسلام، لذلك يخيل الينا ان المقصود من عبارة: (ولا جاهاً الا عمرته) يعني: اذا كان الجاه فاسداً لدى قارئ الدعاء: كما لو نسبت اليه الافعال والمواقف غير المقبولة عرفياً حينئذ فان سمعة المؤمن وعزته وكونه قدوة لسائر المؤمنين تجعل هذه الشخصية حريصة على ان تحتفظ بسمعة طيبة عند مجتمعه بصفة ان عزته هي: عزة الاسلام، كما هو واضح.
بعد ذلك تواجهنا عبارات تعني بما هو دنيوي ولكنه مطلوب من وجهة النظر العبادية: جمع الشمل مثلاً او اساساً هو عبادي كالانفاق ... الخ، وهو ما سنحدثك عنه لاحقاً ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******