ضيف البرنامج: الدكتور الاستاذ سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات إخوتنا المستمعين الأفاضل مع حلقة أخرى من برنامجكم الأسبوعي المتجدد ذخائر العبر آملين أن تمضوا معنا دقائق حافلة بالفائدة والمتعة ومفعمة بكل مايغذي الأرواح ويسمو بالنفوس.
المحاورة: أعزتنا المستمعين بداية نقدم شكرنا الجزيل الى ضيف البرنامج الأستاذ الدكتور سعد الشحمان الذي شرفنا بحضوره في الأستوديو، أهلاً ومرحباً بكم أستاذ
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهلاً ومرحباً بكم وبالمستمعين الكرام
المحاورة: وبكم ايضاً، أستاذ موضوع وصف الأطلال والوقوف عندها وإستلهام الدروس والعبر منها هو من الموضوعات القديمة التي نلاحظها في الشعر وخاصة الشعر العربي ولكن الوقوف عند بقايا قصور الأكاسرة والملوك وأصحاب الجاه والسلطان يكاد يُعد من الأغراض النادرة التي قلّما نجدها سواء في الأشعار الفارسية او العربية والقصيدة الوحيدة التي إستقلت بهذا الغرض في الشعر العربي هي كما نعلم قصيدة البحتري في وصف ايوان كسرى واما في الشعر الفارسي فستوقفنا قصيدة الشاعر أفضل الدين الخاقاني في الموضوع ذاته والتي نظّمها متأثراً بأجواء قصيدة البحتري. نرجو منك أن تحدثنا في هذا القسم من حديثك الذي ستكون له تكملة في حلقة الأسبوع المقبل عن الشاعر نفسه الخاقاني وعلى قصيدته على أن نجري مقارنة بينها وبين قصيدة البحتري في الأسبوع القادم بإذن الله. تفضل لو سمحت
الشحمان: في الحقيقة الشاعر الخاقاني او أفضل الدين الشرواني او الشيرواني نسبة الى مدينة شروان او شيروان في شمال خراسان، هذه المدينة التي أنجبت الكثير من الشعراء منهم الفلكي ومنهم السيد عظيم وصابر وبهار الشرواني.
ولد هذا الشاعر الكبير صاحب المطولات او صاحب القصائد الطويلة سنة ٥۲۰ للهجرة وتوفي بعد ۷٥ عاماً في سنة ٥۹٥ للهجرة. نظراً الى مكانته الكبيرة في عالم الشعر الفارسي وكونه يُعد من أساطين الشعر الفارسي فقد لُقب بألقاب كثيرة منها امير الشعراء، سلطان الفصحاء، حسّان العجم والحقائقي وغير ذلك من الألقاب. في الحقيقة وكما أشرنا الى ذلك الشاعر الخاقاني له مكانة سامقة ومكانة كبيرة ومكانة يمكن أن نعبّر عنها بأنها مكانة تأسيسية للشعر. هذا الشاعر ترك بصماته الواضحة على مسيرة الشعر الفارسي وخاصة في مجال نظم القصائد الطويلة ونظم لون من الشعر يعبّر فيه الشاعر عن إحساسه إتجاه الحياة ويسمى هذا اللون من الشعر في اللغة الفارسية او في الأدب الفارسي "تشامة سرايي" يعني القصائد التي يشكو فيها الشاعر من الدهر ومن الدنيا ويعبّر فيها عن نظرته التشاؤمية للحياة وميله الشديد الى العزلة.
في الحقيقة الخاقاني كانت له يد طولى في اللغتين الفارسية والعربية وكان أستاذاً ماهراً في الشعر وفي النثر على حد سواء وتشكل الرباعيات والمثنويات والقصائد طبعاً القسم الأكبر من أشعاره وله قصائد طويلة وكثيرة ويميل الخاقاني الى هذا النوع من الشعر؛ شعر وصف المدن والآثار ومنها القصيدة التي نحن بصددها التي يصف فيها ايوان كسرى، له قصائد وصف فيها مدينة اصفهان وخراسان وبغداد ومنطقة دربند وكذلك له قصائد شرح فيها منازل الحج ومراحله وله ايضاً قصيدة طويلة وجميلة في وصف الكعبة ومن هذه القصائد القصيدة التي تحمل عنوان باكورة الأشجار وتحفة العراقين. واما بالنسبة الى المضامين والأغراض التي وردت في أشعاره سوف نحاول أن نشير الى البعض منها وإن ضايقنا الوقت سوف نوكل حديثنا الى القسم الاخر إن شاء الله.
وردت مضامين اخلاقية كثيرة في أشعار الخاقاني فله بعض الأشعار التي يعالج فيها بعض الآفات الأخلاقية مثل الكبر والغرور والفخر والمباهات ونظم قصائد اخرى في التواضع والإشادة بالتواضع، له ايضاً قصائد في الرثاء والندبة ومن جملتها قصيدة نظمها في رثاء الملك منوشهر الذي كان معاصراً له ورثى أحد علماء مدينة نيسابور والإمام محمد بن يحيى وكانت له نزعات في التصوف والعرفان، في التجرّد والتوحيد والسير والسلوك. له قصائد كثيرة ولعل قصيدته الشينية تعتبر من القصائد الغراء في مجال التصوف وفي مجال العرفان، إن شاء الله سوف نكمل حديثنا في الحلقة القادمة.
المحاورة: إن شاء الله شكراً لك أستاذ على الحضور معنا في حلقة اليوم ونستودعك الله حتى حلقة مقبلة إن شاء الله
الشحمان: حياكم الله وحيا المستمعين الكرام، في أمان الله
المحاورة: في أمان الله. مستمعينا الأكارم بعد هذا الحديث القيم الذي تفضل به الأستاذ الدكتور سعد الشحمان تابعونا في فقرات البرنامج التالية عند أبيات ننشدها لكم من القصيدة مترجمة الى العربية شعراً.
المحاورة: يُهيب الشاعر بقلبه في مطلع القصيدة بالإعتبار وتمزيق حجاب الغفلة وهو يرى أمامه رأى العين ماحلّ بذلك القصر المنيف الذي كان في يوم من الأيام يُناطح السماء بعلوه وفخامته واذا بأصحابه يغدون نهباً لعوائد الزمان، هؤلاء الأصحاب الذين كانت الفرائص ترتعد لمرآهم ذات يوم ويُشيعون الرهبة والفزع في القلوب لبطشهم وصولتهم ويتقلبون في النعمة، كل هذه المشاهد يستحضرها الشاعر في قلبه فيحمله الإستذكار على البكاء وذرف الدموع سخية مدرارة لغدر الزمان وطبيعة عدم الوفاء التي جُلبت عليها الدنيا فأذلّت من بعد عز ومرّغت الأنوف في التراب بعد الشموخ والأنفة فيطلق صرخته الإحتجاجية المبللة بالدموع قائلاً:
أيُ هذا القلب! ياقلبي إعتبر
بالذي حلّ بإيوان المدائن
من دماء قد جرت مثل نهر
وأفول قد حلّ في تلك المساكن
طُف لماماً أيها القلب
وإذرف الدمع سخياً
مثل دجلة حزناً منك عليها
وإتأد فلعل الدمع يشفي منك غلاً
دجلة يبكي فيجري دمعه
أنهراً حرى ولكن من دماء
تقطرالأهداب ناراً ولظى
حرى مضطرماً دون إنطفاء
وتأمل كيف شبّت حسرة
إنها حمراء تشوي ماء دجلة
ماسمعنا كيف النار تشوي
وتلظّي نهراً في حجم دجلة
المحاورة: مستمعينا الأفاضل ومايلبث الشاعر أن يعود الى رشده من سكرة الحزن والتفجّع التي كادت تذهب بصوابه فما فائدة البكاء؟ وهل يقوى الدمع على أن يرد مامضى؟ هيهات! والمهم في كل ذلك أن يستلهم الناظر المتدبّر الدروس والعبر أن يعلم أن هذه الدنيا الدنية مادامت لأحد وان كل حال زائل فلماذا كل هذا الغرور والكبر؟ أيها الإنسان أنت من تراب وستعود الى هذا التراب في نهاية المطاف والفناء مصير الجميع إلا وجه ربك ذو الجلال الإكرام كما يكرر الشاعر ذلك في قوله:
كل حيّ كل بيت في المدائن
سوف يُعطيك عظات وعظات
فإتعظ منها فإن القول بائن
أوضح الأقوال قول النكبات
كل ماتسمعه منها يقول
كل مجد بعد لئي لأفول
كلما في ذلك الإيوان يوحي
أنما الحزن عميق وطويل
هاتف أنك آت من تراب
واليه في غد تلقى الإياب
فأمضي في رفق عليه وإتأد
وإجعل الدمع عليه في إنسكاب
فأذرف الدمع سخياً ساخناً
ملأ عينيك كماء الورد احمر
علّ منك الدمع يشفي حزناً
غير أن الدمع لايمحو المقدّر
المحاورة: مستمعينا الأكارم كونوا في إنتظارنا في حلقة الأسبوع المقبل مع القسم الثاني الذي سنكمل فيه جولتنا في رحاب قصيدة الشاعر الخاقاني في وصف طاق كسرى فحتى ذلك الحين نتمنى لكم أطيب الأوقات شاكرين لكم حسن المتابعة وتقبلوا تحيات قسم الثقافة والفن والأدب في إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى اللقاء.