موضوع البرنامج: قابوس نامة
ضيف البرنامج: الاستاذ سعد الشحمان
أحبتنا المستمعين الكرام!
سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته، وأهلاً ومرحباً في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الأسبوعي المتجدد ((ذخائر العبر)) حيث سنتوقف معكم في حلقة هذا الأسبوع عند كتاب ((قابوس نامه)) لعنصر المعالي بن اسكندر بن قابوس الزياري، الذي ألف ليكون بمثابة دستور أخلاقي وتربوي لابنه الذي سيتولي الحكم من بعده، فزيّنه بفنون الحكايات، وضروب القصص ذات المغازي التربوية والأخلاقية... ندعوكم- إخوتنا المستمعين- إلي متابعة جولتنا في أرجاء هذا الكتاب، الذي سيتولي التعريف به وبمؤلفه ضيف البرنامج الدائم الأستاذ الدكتور سعد الشحمان، فلنستمع معاً للحديث الذي أدلي به في هذا الصدد، أهلاً بكم أستاذنا الكريم، تفضلوا لو سمحتم:
المحاورة: تحية طيبة لكم مستمعينا وانتم برفقة هذه الحلقة من برنامج ذخائر العبر، كالمعتاد نستضيف في الاستوديو الدكتور سعد الشحمان، اهلاً ومرحباً بكم دكتور
الشحمان: اهلاً ومرحباً بكم وبالمستمعين الاكارم ويسرنا ان نلتقيكم من جديد
المحاورة: شكراً هذا شرف لنا دكتور، لو سمحتم في هذه الحلقة سنتحدث عن كتاب قابوس نامة لعنصر المعالي كيكاوس بن اسكندر بن قابوس الزياري، حبذا لو تعرفوننا بشخصية هذا الكاتب
الشحمان: نعم بسم الله الرحمن الرحيم مؤلف هذا الكتاب الشهير هو كما تفضلتم هو عنصر المعالي، اسمه كيكاووس بن قابوس بن زيار وهو اديب وولد في بداية القرن الخامس الهجري وكان من الامراء ومن الحكام العلماء الذين جمعوا بين يعني اذا صح التعبير بين السلطة الدنيوية والسلطة العلمية ونظراً الى انه كان عالماً كان يرعى العلم والعلماء وكان ينتمي الى الاسرة الزيارية الحاكمة التي كانت تحكم في جزء من منطقة طبرستان وجرجان وقضى هذا الاديب قسماً من حياته خارج رقعة حكمه واما بالنسبة الى كتابه وهو كتاب قابوس نامة وقد سمي بهذا الاسم على ما اتفق عليه اكثر الباحثون يقولون ان اسم قابوس هو تحريف لكلمة كيكاووس فسمي هذا الكتاب بأسم قابوس نامة وهو كتاب في حقيقته وجوهره يدور حول الاخلاق العملية وهو عبارة عن نصائح ومواعظ وجهها مؤلف الكتاب الى ابنه الذي كان من المقرر ان يتولى الحكم من بعده حول الطريقة الصحيحة في الحياة وكان اسم ابنه غيلان شاه وكتب المؤلف هذا الكتاب في اربعة واربعين فصلاً بهدف ان يحافظ على الحكم من بعده من خلال ولده وان يتابع ولده امور المملكة وبهدف تربيته وبيان القوانين المتعلقة بأدارة البلاد والاداب الاجتماعية والعلم والمعرفة والفنون التي كانت متداولة في ذلك الوقت فأذا قرأنا الكتاب يبدو لنا ان الكاتب كان رجلاً ناضجاً وكاملاً وله خبرة واسعة في الحياة نظراً الى الاسفار التي قام بها في الحياة ومجالاتها من العلم والاجتماع والسياسة والقضاء والفقه والطب
المحاورة: يعني كان له المام بالعلوم المختلفة
الشحمان: نعم يعني كان له كعادة العلماء في ذلك الوقت كان له المام في المجالات المختلفة من الحياة ومن العلوم التي كانت سائدة في ذلك الوقت وحتى ان له بعض الارشادات والنصائح في مجال الطب والفلك والتجارة والزراعة وما الى ذلك من مواضيع اما بالنسبة الى اسلوب هذا الكتاب فقد كتب المؤلف هذا الكتاب بأسلوب النثر المرسل يعني الخالي من القيود الفنية يعني كتبه خلال القرنين الرابع والخامس الهجري وميزة هذا الكتاب الاولى والرئيسة اننا لانلاحظ فيه اي اثر من التكلف والصنعة.
المحاورة: شكراً لهذه الايضاحات حول شخصية عنصر المعالي كيكاووس بن اسكندر بن قابوس وعن هذا التعريف لكتابه قابوس نامة، دكتور اذا تسمحون نأخذ فاصل قصير ثم نواصل الحديث في هذا الصدد، تابعونا مشكورين مستمعينا الكرام
المحاورة: دكتور اقتطفنا في هذه الحلقة بعض القصص والحكايات التي هي موجودة في مواضع مختلفة من هذا الكتاب فأذا تسمحون لنا اقرأ لكم حكاية وللمستمعين الكرام هذه الحكاية هي تحت عنوان الرجل الخياط
الشحمان: نعم تفضلوا
المحاورة: نعم مستمعينا الكرام بعد ان استمعنا الى هذه الحكايات من كتاب قابوس نامة اعود الى ضيفي في الاستوديو الدكتور سعد الشحمان ليحدثنا اكثر عن هذا الكتاب وكاتبه
الشحمان: نعم نشير في القسم الثاني من حديثنا الى اهمية المؤلف والكتاب، نقول في هذا المجال انه لانجد اميراً وحاكماً طيلة احد عشر قرناً بلغ مثل هذه الدرجة من العلم والثقافة والمعرفة كصاحب هذا الكتاب عنصر المعالي بحيث قدم الى الادب الفارسي مثل هذه الرائعة التي تشتمل على كل علوم عصره وعاداته وتقاليده ويعتبر كتابه احد اكثر الاثار النثرية في الفارسية في القرن الخامس الهجري جمالاً وسلاسة واشتمالاً على الدروس والعبر ونظراً الى اهمية هذا الكتاب فقد اقتبس منه الكثير من الكتاب والشعراء على مر القرون مثل سنائي الغزنوي في كتابه حديقة الحقيقة ونور الدين العوفي في كتابه جامع الحكايات والقاضي احمد الغفاري في تاريخ نغارستان كما ترجم هذا الكتاب الى اللغات التركية والالمانية والفرنسية والانجليزية والروسية واليابانية فضلاً على العربية وهذا يعكس اهمية هذا الكتاب الفائقة.
المحاورة: نعم شكراً جزيلاً لكم دكتور وشكراً لهذا الحضور ولهذه الايضاحات وشكراً لمستمعينا الكرام لحسن متابعتكم لهذه الحلقة من برنامج ذخائر العبر التي قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران حتى الملتقى اطيب التحيات والمنى ودمتم في امان الله.
المحاورة:
إخوتنا المستمعين الأكارم!
ندعوكم الآن الي متابعتنا من خلال بعض القصص والحكايات التي اقتطفناها لكم من مواضع مختلفة من هذا الكتاب ونبدؤها بحكاية ((الرجل الخياط))...
((حكي أن رجلاً خياطاً كان في مدينة مرو، وكان له دكان عند باب مقبرة المدينة، وكان قد علق كوزاً علي باب دكانه، وكان مولعاً ومهووساً بإلقاء حصاة واحدة كل ما أتي الناس بجنازة من المدينة إلي هذه المقبرة، وكان يعد الحصي في نهاية كل شهر ليعرف عدد الموتي، ثم يفرغ الكوز ليقوم بنفس العمل حتي نهاية الشهر الآخر. ومضت مدة من الزمان علي ذلك حتي شاء الله أن يقبض روح الخياط، ثم إن رجلاً جاء إلي المقبرة يسأل عن الخياط لأنه لم يكن يعلم بموته، فسأل جاره قائلاً:
اين الخياط؟ ولماذا لا اراه هنا؟ فقال الجار: لقد سقط الخياط أخيراً في الكوز!))
اللص وصاحب الدار
((يروي أن لصآ كان يمر من أحد الأزقة في ليلة مظلمة فتوقف أمام جدار أحد البيوت، وجال ببصره فيما حوله، فلم ير أحداً ثم تسلق الجدار بخفة وسرعة، وجلس علي الجدار لعدة لحظات ونظر في داخل البيت، كانت باحة البيت خالية ومظلمة، ففرح اللص، وقفز إلي داخل الباحة، وتجول قليلاً في أرجاء الباحة، إلا أنه لم يجد شيئاً للسرقة، ثم صعد السلالم، ودخل الغرفة، وتوقف للحظة حتي اعتادت عيناه الظلام، وإذا به يري رجلاً نائماً إلي جوار الغرفة. فألقي اللص نظرة إلي جوانب الغرفة، كان يريد أن يجد شيئاً يسرقه مهما كلفه الأمر، إلا أنه لم ير شيئاً، كاد اليأس يسيطر عليه، وإذا بصاحب البيت يتململ في فراشه ليقول بصوت غلب عليه النوم: أيها اللص المسكين! أنا لا أجد شيئاً في البيت في وضح النهار، وأنت تريد أن تجده في الليل المظلم؟!)).
الإفلاس راحة!
((روي أن صوفيين كانا يسيران في أحد الطرق خارج المدينة، وكان أحدهما معدماً لايمتلك شيئاً، وكان مع الآخر خمسة دنانير من ذهب.
وكان الصوفي المفلس يسير غير آبه بشيء ويخلد إلي النوم في أي موضع يصل إليه سواء كان آمناً أم مخيفاً دون أن يخشي أحداً وأما صاحب الدنانير الخمسة فقد كان يشعر بالقلق دوماً. حتي بلغا بئراً كان مرآه يثير الفزع وكان موضعاً للوحوش واللصوص!، فشرب المفلس من هذه البئر وأخلد للنوم الهانئ، ولكن صاحب الدنانير الخمسة لم يستطع النوم من شدة خوفه، كان يردد مع نفسه قائلاً: ((ما العمل، ما العمل؟))، فاستيفظ الصوفي المفلس علي صوته، وقال له: ((لماذا كل هذا الخوف أيّها الرجل؟))، فقال: ((أيها الفتي! معي خمسة دنانير ذهباً، وهذا الموضع يثير الخوف، وها أنا ذا أراك نائماً، وأنا لا أجد إلي النوم سبيلاً!)) فقال المفلس:
((ناولني هذه الدنانير الخمسة كي أريحك!)) فناوله، فأخذ الذهب وألقي به في البئر وقال له: ((ها قد نجوت من القلق والخوف، فاجلس آمنا، ونم آمناً، وسر آمناً!)).
و هكذا- إخوتنا المستمعين الأفاضل- نأتي علي ختام جولتنا لهذا الأسبوع في رحاب ذخائر التراث، آملين أن تكونوا قد أمضيتم معنا دقائق عامرة بالفائدة والمتعة، وشاكرين لكم حسن الإصغاء والمتابعة، وإلي الملتقي في حلقة جديدة بإذن الله.