موضوع البرنامج: تذكرة الاولياء للعطار النيسابوري
ضيف البرنامج: الاستاذ سعد الشحمان
أحبتنا المستمعين الأكارم!
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ونحن نلتقيكم مرة أخري متفييئين ظلال دروس الحياة وعبرها عبر حكايات الأولين وقصصهم، حيث سنتوقف معكم في حلقة هذا الأسبوع عند كنز آخر من كنوز التراث الأدبي والفكري والثقافي الفارسي ألا وهو كتاب ((تذكرة الأولياء)) الشهير للعارف والشاعر والأديب الإيراني فريد الدين العطار النيسابوري، علي أمل أن تمضوا معنا دقائق ولحظات مفعمة بالمتعة والفائدة...
إخوتنا المستمعين!
استضفنا في حلقة هذا الأسبوع الأستاذ الدكتور سعد الشحمان ليحدّثنا في القسم الأول من حديثه عن شخصيه الشاعر والعارف والأديب فريد الدين العطار النيسابوري ومؤلفاته وآثاره ومكانته بين الشعراء والعرفاء الآخرين، فلنستمع معاً...
المحاورة: استاذ اهلاً بكم والسلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته واهلاً بالمستمعين الكرام في هذا الحديث الذي سيجمعنا بكم ان شاء الله
المحاورة: استاذ نرجو منك ان تحدثنا عن شخصية الشاعر والعارف والاديب فريد الدين العطار النيسابوري ومؤلفاته وآثاره ومكانته بين الشعراء والعرفاء الاخرين
الشحمان: نعم بكل سرور، فريد الدين العطار يمثل شخصية غنية للتعريف فهو شاعر بارز وكبير في مجال التصوف وهو شاعر معروف بين الاوساط الصوفية سواء في ايران او في بلدان العالم الاسلامي الاخرى. عاش هذا الشاعر والصوفي مابين القرنين الخامس والسادس الهجري وقد عرف بكتابه الشهير منطق الطير وايضاً بالكتاب الذي نحن بصدده في هذه الحلقة وهو تذكرة الاولياء، عرف بهذا اللقب اي العطار وكلمة العطار تعني الشخص الذي يبيع الادوية الشعبية والتوابل والعطور ولكن بعض الباحثين ذكروا ان لهذه الكلمة معنى اوسع من ذلك فقيل انها اطلقت عليه لأنه كان يتولى الاشراف على دكان لبيع الادوية حيث كان يزوره المرضى في مدينته ويعرضون عليه الحالات المختلفة التي تطرأ عليهم ويصف لهم الدواء ويقوم بنفسه على تركيب هذا الدواء وتحضيره وتحدث عن نفسه في كتابيه "مصيبتنامة" و"الهينامة" اي كتاب المصيبة والكتاب الالهي وذكر بشكل صريح انه الف هذين الكتابين في صيدليته اذا صح التعبير والتي كان يتردد عليها الكثير من المرضى وكان يقوم بفحصهم وجس نبضهم في هذه الصيدلية.
المحاورة: يعني كان طبيباً؟
الشحمان: نعم يعني كان يجمع بين العرفان والتصوف وبين مهمنة الطبابة وهذا هو ديدن اكثر العرفاء والمتصوفين يعني كانوا يجمعون بين التصوف والاعمال والحرف المختلفة. ولد هذا العارف والشاعر الكبير في مدينة نيشابور او في مدينة نيسابور في ايران وامضى بها عهد الطفولة ولأن هذه المدينة قريبة من مدينة مشهد فقد لزم ضريح الامام الرضا عليه السلام واكثر بعد ذلك من الترحال في البلاد الاسلامية المختلفة ومنها الري والكوفة ومصر ودمشق ومكة والمدينة والهند ثم عاد ليستقر اخيراً في قريته في مدينة نيسابور وعمل لمدة تسعة وثلاثين عاماً من حياته في جمع اشعار الصوفية واقوالهم في كتابه تذكرة الاولياء.
المحاورة: طيب نشكر الاستاذ سعد الشحمان على هذه الاجابة، مستمعينا الكرام فاصل قصير ونعود لحضراتكم
نرحب بالاستاذ سعد الشحمان وبالمستمعين الكرام مرة اخرى، استاذ نرجو منكم ان تحدثونا عن الكتاب نفسه يعني تذكرة الاولياء واهميته ومكانته بين الاثار الفارسية والادبية والعرفانية الاخرى وعن الموضوعات والمضامين التي يشتمل عليها هذا الكتاب
الشحمان: بالنسبة الى هذا الكتاب، المعروف بين الاوساط الصوفية العربية ايضاً هو كتاب صوفي عرفاني كتبه المؤلف بنثر مبسط يشوبه بعض السجع، كتبه كما يدل على ذلك عنوانه في الترجمة لكبار التصوف واولياءه ومشايخه، كتبه بالفارسية ويشتمل هذا الكتاب على مقدمة وعلى اثني وسبعين باباً خصص كل باب من هذه الابواب لسرد حياة احد اعلام التصوف في العالم الاسلامي في ذلك الوقت حتى عصره وذكر مكارم اخلاقهم ومواعظهم وحكمهم وقد خصص الباب الاول من هذا الكتاب لأقوال الامام جعفر الصادق عليه السلام وخصص الباب الاخير من هذا الكتاب لشخصية الحسين بن المنصور الحلاج المعروف. كما قلنا ذكر في هذا الكتاب بشكل مسهب وبشكل مفصل حياة الكثير من العرفاء والمتصوفة في القرنين الرابع والخامس الهجري وذكر في هذا الكتاب اشخاص مثل اويس القرني وابراهيم الادهم ورابعة العدوية واخيراً الامام محمد الباقر عليه السلام وتكمن اهمية هذا الكتاب في انه يعتبر اقدم نص وصلنا في مجال التصوف والعرفان من القرن الخامس الى السادس الهجري اذ نلاحظ انه لم تظهر في هذه الفترة اثار نثرية كثيرة ويتميز ايضاً بسلاسة الاسلوب وبساطته الى درجة الكمال وخلوه من التكلف والتصنع ويعتبر كتاباً عديم النظير من حيث الاستفاضة في ذكر تراجم الصوفيين من جميع الجوانب.
المحاورة: مستمعينا الكرام نتقدم بالشكر الجزيل الى الاستاذ سعد الشحمان على هذه الاجابة القيمة التي تفضل بها وسلط من خلالها الاضواء على الكتاب والمؤلف، شكراً استاذ
الشحمان: على الرحب والسعة
إخوتنا المستمعين، نتقدم بالشكر الجزيل إلي الأستاذ علي هذه الإجابة القيمة التي تفضل بها، وسلّط من خلالها الأضواء علي الكتاب والمؤلف، والآن ندعوكم إلي متابعنا عبر القصص والحكايات التي اقتطفناها لكم من رياض هذا السفر الأدبي والعرفاني...
أنا لا أستحق ذلك!
((يحكى أن رجلاً قدم علي الشيخ أبي الفضل وقال:((رأيتك البارحة في المنام ميتاً وقد وضعت جنازتك في ركن من الأركان!))
فقال:(( اصمت! لقد رأيت في ذلك المنام نفسك، فنحن لا نموت أبداً!))
وعندما اقتربت وفاته، قيل له: سندفنك في الموضع الفلاني الذي هو موضع المشايخ والوجهاء!، فقال:((ويحكم! من أنا كي تدفنوني إلي جانب هؤلاء العظام؟! أريد منكم أن تدفنوني فوق تل دفن فيه تعساء الناس ومساكينهم فهم أقرب إلي رحمته، والرحمة إنما تعطي لمن يتعطش لها!)).
أرغفة الخبز
(( يحكي أن أبا نصر السراج قدم ذات يوم من طوس إلي بغداد في شهر رمضان وخصص له مكان الخلوة في مسجد ((الشونيزية)) وكان يؤم الدراويش حتي حلول العيد، وكان أحد الخدام يأتي في كل ليلة برغيف خبز إلي موضع خلوته، ويقدمه له، وعندما حل العيد، وذهب أبونصر، اكتشف الخادم أن كل أرغفة الخبز بقيت في مكانها علي حالها!))
الكرامة الكبري
((سأل شخص أبا العباس القصاب: ما هي كرامتك ياشيخ؟، فأجاب: لا أعلم كرامة لي ولكنني كنت في البدء أذبح خروفاً في كل يوم، وأضعه علي رأسي حتي الليل، وأطوف به المدينة كلها علي أجني شيئاً من الربح، ولكنني أري اليوم أن رجال العالم ينهضون من شرق العالم وغربه، ويقطعون البحار من أجل زيارتي، فأي كرامة أكبر من ذلك؟!))
أمنية!
((نقل أن ابراهيم الشيباني حكي ذات مرة قائلاً: أذكر أن نفسي كانت تتمنى قبل ستين عاماً قطعة من اللحم المشوي ولكني كنت أحرمها من ذلك. وفي ذات يوم سيطر علي ضعف عظيم حتي بلغت سكينه العظام، وانتشرت رائحة اللحم المشوي. فأخذت نفسى تصرخ وتتأوه قائلة:(( حان الوقت، فقم بالله عليك، واطلب لقمة من هذا اللحم)). فنهضت وسرت في أثر رائحة اللحم حتي وصلت إلي السجن. وعندما دخلت رأيت سجيناً يكوي وهو يطلق صرخات الألم وكانت رائحة اللحم المشوي قد انتشرت وفاحت.
فقلت لنفسي: (( خذي الآن اللحم المشوي!))، فخافت نفسي، وامتنعت، ورضيت بالسلامه!)).
نداء الدرويش
((ونقل العطار أن درويشاً (أي فقيراً) كان ينادي قائلاً: إن أعطيت رغيفين من الخبز، استقام أمري!))، فقلت له: هنيئاً لك! إن أمرك ليستقيم برغيفي خبز!، وأما أنا فإن العالمين يوضعان إلي جانبي كل ليلة، ولكن أموري لا تستقيم رغم ذلك!)).
الجوزة الجوفاء!
(( يحكي أن الشيخ رأي في طريقه ذات يوم طفلين يتنازعان علي جوزة عثروا عليها، فأخذ الشيخ الجوزة منهما وقال:(( انتظروا حتي أقسمها بينكم))، وعندما كسرها وجدها فارغة جوفاء، فخجل من نفسه وقال: ((كل ذلك النزاع كان من أجل جوزة جوفاء، وكل ذلك العراك كان دون أن ينالكما نصيب منها!)).
وهكذا نختتم- إخوتنا المستمعين الأفاضل- حلقتنا لهذا الأسبوع من ((ذخائر العبر)) شاكرين لكم حسن إصغائكم ومتابعتكم، علي أمل أن نلتقيكم في حلقة الأسبوع المقبل محملين بحكايات وعبر جديدة، فتقبلوا تحياتنا، وإلي الملتقي.