الحمد لله، وأزكي الصلاة والسلام علي خير حجج الله محمد المصطفي رسول الله، وآله الأئمة أولياء الله.
كان من عدل الله تبارك وتعالي ورحمته، ورعايته لعباده وعنايته، وهدايته، أن قدم لهم الحجج أولا ثم احتج بها عليهم. ليس عليهم طرق المعاذير، وسبل الهروب من الحقائق والتكاليف، فيضعهم أمام الواقع.. وقد اكتملت فيهم البراهين: (العقل، وهو حجة باطنة، والانبياء والرسل والكتب والشرائع مشفوعة بالأدلة والبينات، وتلك حجة ظاهرة وتقدم الله عزوجل الي عباده بأن جعل أباهم حجة الله وخليفته في أرضه، وكان صفوته ومنه أجري النسل يتوافد فيه مئات وآلاف من الانبياء والمرسلين، والخلفاء والوصيين، حججا لله تعالي علي خلقه، وسبباً لهدايتهم وسعادتهم. قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في خطبة طويلة له: (الحمد لله الذي لايبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون (الي أن قال (عليه السلام))، ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنها بالماء حتي خلصت، ولاطها بالبلة حتي لزبت. ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل واصطفي سبحانه من ولده أنبياء أخذ علي الوحي ميثاقهم، وعلي تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله اليهم، فبعث فيهم رسله، وواتر اليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة الي أن بعث الله سبحانه محمداً رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لإنجاز عدته، وإتمام نبوته، مآخوذاً علي النبيين ميثاقه، مشهورة سماته، كريماً ميلاده. ثم اختار سبحانه لمحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) لقاءة، ورضي له ما عنده، وأكرمه عن دار الدنيا، ورغب به عن مقام البلوي، فقبضه اليه كريما صلي الله عليه وآله، وخلف فيكم ماخلفت الأنبياء في أممها، إذ لم يتركوهم هملا، بغير طريق واضح، ولا علم قائم).
*******
ثمة قضية مهمة فيمايرتبط بمعرفة الله عزوجل وهي ان في اتباع خلفاء الله الحقيقيين (عليهم السلام) تجسيداً لأحد مصاديق الاستعانة بهم (عليهم السلام) للخلاص من اسر الشيطان والانتصار عليهن نستمع للدكتور علي العلي دكتوراه في فلسفة القوانين والتشريعات من مدينة قم المقدسة:
الدكتور علي العلي: بسم الله الرحمن الرحيم، فيما يتعلق بمورد السؤال ربما لو ننظر الى المسألة من ناحية عقلانية اكثر مما ننظر اليها من ناحية الادلة الروائية او الادلة النقلية، من حيث الادلة النقلية والادلة الروائية المسألة ثابتة وورد في القرآن الكريم«وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ» ولربما فيها ابعاد عقائدية اوسع مما هو متعارف عليه ولكن لو نظرنا اليه من الناحية العقلانية نجد انه ما يمثله او يضعه الانسان كوسيط او كشفيع في مرحلة الانتقال من مرحلة الى اخرى او من امر الى امر هي مرحلة القدوة يعني عندما اضع النبي الاكرم محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) مورد من موارد الانتقال او مورد من موارد الشفاعة لي وبوابة من بوابات الشفاعة او بوابة من بوابات الارتجاء والتقرب الى الله عزوجل اذن انا اتجه بأتجاه عقلاني وليس متجه بأتجاه غير عقلاني بهذا الصدد، لماذا؟ لأنه يمثل القدوة التي يمكن لن يقتدى بها على كافة الاصعدة والتي تمثل منهجاً متكاملاً لذا اتباع مثل هذه القدوة، الاقتداء بهذه القدوة وجعل هذه القدوة بوابة للانتقال لمراحل والى كمالات اعلى هو بحد ذاته امر عقلاني واذا دعمنا هذا الموضوع بالادلة النقلية نجد انه «وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ» يعني رَبِّ الْعَالَمِينَ في بوابة الاتجاه اليه وكذلك الاحتراز ممن حذرنا الله عزوجل ان نحذره، نحن الان مثلاً نتبع القصة التي وردت في قضية آدم (عليه السلام) وقضية الشيطان الرجيم في مسألة اغواءه فنحن اذا لم نتبع هذا المنهج اذن نحن في واقع الامر نتجه الى مراحل اكثر ضلالة وندخل في دائرة مظلمة فالغاية العقلانية لربما واضحة من حيث ان هذه الوسيلة التي تتبع هي في مقام القدوة، هي مقام التجربة الرئيسية، هي في مقام المنهج القويم الذي ممكن ان يتبع للاستعاذة به من الشيطان ومما حذر منه الله عزوجل اولياءه والصالحين وكذلك من الطرق الموصلة الى الله عزوجل ولكن بشرطها وشروطها بحيث انه ندرك وحدانية الخالق عزوجل، نرتبط بوحدانية الخالق ونعلم ان هذه القدوة او هذا الشخص الذي يمثل منهجاً هو في واقع الامر سالك الى هذا الطريق ويمكن ان يقتدى به لكي يقودنا الى الباري عزوجل. من هنا انا لا اتصور انه لامن الناحية العقلانية ولا من الناحية العقلائية ولا كذلك من الناحية النصية كما ورد في النقل انه هناك محذور بهذا الصدد بل اكثر من ذلك يذكر التاريخ امور كثيرة انا استغرب ممن يثير هذه الامور يعني كان مثلاً عمر بن عبد العزيز عندما يريد ان ينصب خليفة لهذا الامر كان يأمرهم بأن يطوفوا حول قبة الصخرة او الصخرة الموجودة في قبة الصخرة في فلسطين، لماذا؟ كان يحرص ان يكون الولاة يحرصون على الامانة وكان يتوسل بهذه الصخرة حتى يرى فيهم الامانة وتكون الصخرة هي العهد عليهم في ان يكونوا امناء في توليهم للامور، هذا عمر بن عبد العزيز وفي عهد بني امية وليس غريباً عن هذا العهد فأستغرب ان تثار في الاونة الاخيرة مثل هذه الامور من دون التمعن في التاريخ، من دون التمعن بالنصوص القرآنية، من دون التمعن بالتجارب العقلانية مع ان كل ذلك يشير الى انه لامحذور فيه لا من حيث العقيدة ولا من حيث البناء العبادي والسير على مستوى الاحكام الشرعية لكن هناك اثارات ولربما شبهات التبست على البعض ادت بهم الى ما هو فيه.
*******
هكذا انتهت العقول السليمة إليه أن الله تبارك وتعالي لم يترك عباده هملا بغير طريق واضح، أوعلم قائم، فكان له جل وعلا في كل زمان، وكل مكان، حجة قائمة علي العباد، وكان له عزوجل منذ أن خلق الخلق وإلي أن تنتهي الحياة علي الأرض، خليفة له الحق، يهدي العباد إلي طريق الله سبحانه. كذلك كان مما انتهت إليه العقول الحكيمة، أن حجج الله عز شأنه، في الوقت الذي هي نعمة، هي نور وهداية ورحمة، كذلك هي أسوة حسنة لمن كان يريد الله واليوم الآخر.
هكذا خلفاء الله أظهرهم رسول الله، وآله أمناء الله، حيث تجلت فيهم مظاهر صفات الله: الصفات الجلالية، والصفات الجمالية، ومنها الرحمة الرحمانية، تلك الرحمة التي وسعت كل شيء، وقد تجلت في النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم) وفي أوصيائه (عليهم السلام)، لأنهم سلام الله عليهم أشرف تجل لله تعالي وقد تخلقوا بأخلاقه عزوجل، وذلك مقتض أن يغدوا رحمتهم علي الناس جميعاً، كما أغدق الله تبارك وتعالي رحمته علي عباده جميعاً، فنقرأ مثلاً في أحد أدعية شهر رجب الأصب، ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) من قوله: "يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه، تحننا من ورحمة".
وكان من رحمته جل وعلا أن خلق محمداً (صلي الله عليه وآله)، ولما أرسله بشيراً ونذيراً، وسراجاً منيراً، خاطبه بعذب آياته قائلاً له: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ » (الأنبياء، ۱۰۹)، أي أنت - يا محمد - رحمة مرسلة إلي الجماعات البشرية كلها، والدليل علي ذلك الجمع المحلي بالالف واللام في كلمة العالمين، وذلك مقتضي عموم الرسالة. فهو (صلي الله عليه وآله) رحمة لأهل الدنيا، لإتيانه بدين في الأخذ به سعادة أهل الدنيا في دنياهم وأخراهم. بل ومن قبل ذلك كان للنبي المصطفي (صلي الله عليه وآله) حق الحياة علي جميع البشر، إذ كان هو الغاية من خلقة الأفلاك، وباسمه نجت البشرية من الهلاك، وماتاب آدم (عليه السلام) إلا بتلقي كلمات من ربه توسل بها فتاب عليه، وكان أول الأسماء اسم محمد، صلي الله عليه وعلي آله الميامين. نقرأ في (تفسير الدر المنثور) للسيوطي الشافعي في ظل قوله تعالي: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(البقرة، ۳۷) أن ابن عباس قال: سألت رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فَتَابَ عَلَيْهِ، فقال:(سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي، فتاب عليه). وكتب المتقي الهندي، أحد أبرز محدثي علماء السنة في كتابه "كنز العمال" أن جبرئيل (عليه السلام) قال لآدم (عليه السلام): فعليك بهذه الكلمات، فإن الله قابل توبتك، وغافر ذنبك.
قل: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت، عملت سوءاً وظلمت نفسي، فتب علي إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. وفيما وعظ الله تبارك وتعالي به عيسي ابن مريم (عليهما السلام) أن قال له: (يا عيسي، ثم إني أوصيك - يا ابن مريم البتول - بسيد المرسلين، فإنه رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
*******