الحمدُ لله الوَدودِ الوهّاب، وأسمي صلواتِه علي حبيبِه المصطفي وآلِه الأطياب.
أهلاً بكم في لقاءٍ طيبٍ آخر، وحديثٍ آخر، دائرٍ حول خُلفاءِ الله تبارك وتعالي. ولعلّ متسائلاً- كان قد واكبَنا البحث، يتساءل: لماذا الخلافةُ بعد النبوّات والرسالات؟ ألم يكمِل الأنبياءُ والرُسلُ مَهامَّهم وتكاليفَهُم التي كلَّفَهُم اللهُ تعالي بها؟ ولمعرفة الجواب بصورةٍ بيّنة، يقتضي الأمرُهنا التعرّف علي كلمتين:
الأولي: معني الخلافة الإلهيّة.
والثانية: ضرورة إدامتها.
في موسوعته الفاخرة (الغدير)، كتب العلّامةُ الأمينيّ يقول معرّفاً: إنّ الخلافة إمرةٌ إلهيّةٌ كالنبوّة، وإن كان الرسول خُصَّ بالتشريعِ والوحي الإلهيّ، وشأنُ الخليفةِ هو: التبليغُ والبيان، وتفصيلُ المُجمَل، وتفسيرُ المُفضِل، وتطبيقُ الكلمات علي مصاديقها، والقتالُ دونَ التأويل- كما قاتَلَ النبيُّ دونَ التنزيل، وإظهارُما لم يتَسنَّ للنبيِّ الإشادةُ به، إمّا لتأخُّرِ ظرفِه، أو لعدمِ تهيّؤِ النفوسِ له، أو لغيرِ ذلك مِن العِلَل. وفي كتابه النافع (عقائد الإماميّة) كتب الشيخ محمّد رضا المظفر رحمه الله حول مفهوم الإمامة فيما كتبه يقول: كما نعتقد أنّ الإمامةَ - كالنبوّة- لطفٌ مِن الله تعالي، فلابدّ أن يكون في كلِّ عصرٍ إمامٌ هادٍ يخلفُ النبيَّ في وظائفه، من: هداية البشر وإرشادهم إلي ما فيه الصلاحُ والسعادةُ في النشأتَين، وله ما للنبيِّ من الولايةِ العامّةِ علي الناس، لتدبير شؤونهِم ومصالحهم، وإقامةِ العدلِ بينهم، ورفعِ الظُلمِ والعدوانِ من بينهِم. وعلي هذا، فالإمامةُ استمرارٌ للنبوّة، والدليلُ الذي يوجبُ إرسالَ الرُسلِ وبَعثَ الأنبياء هو نفسُه يوجِب أيضاً نَصبَ الإمامِ بعدَ الرسول وعليه لا يجوز أن يخلُوَ عصرٌ من العصور، مِن إمامٍ مفروضِ الطاعة منصوبٍ من الله تعالي، قال تعالي: «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (الرعد، ۷).
وقد ورد في كثير من نصوص زيارات أئمة العترة المحمدية (عليهم السلام) وصفهم بأنهم ورثة النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) بالخصوص وورثة سائر الأنبياء (عليهم السلام) وفي ذلك إشارة الي وثاقة العـــلاقة بين الإمامة والنبوّة كما تقدم في كلام مؤلف كتاب عقائد الإمامية الشيخ محمد رضا المظفر (رضوان الله عليه).
*******
ولكن هنا لدينا سؤال بخصوص وراثتهم (عليهم السلام) لسيد الرسل (صلى الله عليه وآله)، فما العلاقة بين هذه الوراثة وبين كونهم (عليهم السلام) اوصياء النبي (صلى الله عليه وآله) وخلفاء الله في ارضه؟ للاجابة عن هذا السؤال استضفنا سماحة السيد محمد الشوكي الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة:
السيد محمد الشوكي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين.
الحقيقة مسألة الوصية هي من المسائل المشتركة بين الاديان الالهية والتي نلمحها في تاريخ الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين من آدم حتى الخاتم صلوات الله وسلامه عليه فحتى ما يرتبط بني الله آدم (عليه السلام) ورد لدينا في الروايات ان آدم كان له وصي وان النزاع الذي وقع بين هابيل وبين قابيل لم يكن على اساس امرأة او ماشابه ذلك وانما الخلاف وقع على الوصية حيث تم اختيار هابيل ليكون وصي ابيه آدم (عليه السلام) فحسده قابيل على ذلك وبالنتيجة قرب قرباناً وتقبل الله قربان هابيل فحسده قابيل وقتله ثم بعد ذلك عوض الله عزوجل آدم (عليه السلام) بشيث الذي سمي بهبة الله وكان هو وصي آدم صلوات الله عليه ثم بعد ذلك كل نبي من الانبياء خصوصاً اولي العزم كان لهم اوصياء من بعدهم على اممهم وهذا هو الذي تقتضيه طبيعة الاشياء وتقتضيه الحكمة الالهية لأنه هذه الرسالة وهذه الشريعة وهذا المشروع الالهي الذي يأتي به النبي (صلى الله عليه وآله) لابد له من محاسب يحاسب عليه، لابد له ان يستمر في الامة، لابد من استمراره اولاً وثانياً لابد من صيانته، الاستمرار استمرار مشروع النبوة، استمرار الرسالة، استمرار الشريعة وصيانة الرسالة والشريعة من التلاعب والتحريف والتزوير بعد رحيل النبي تحتاج الى الوصية وتحتاج الى وجود وصي يكون الامتداد ويمثل الامتداد الطبيعي للنبي في استمرار الرسالة، في توضيح الرسالة، في الحفاظ على الرسالة من المخاطر من هنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بدعاً من الرسل والانبياء فكما ان الانبياء السابقين كان لهم اوصياء يخلفونهم من بعدهم وذلك كما قلنا للحكمة الالهية فلابد بطبيعة الحال ان يكون لنبي آخر الزمان من اوصياء خصوصاً اذا ما عرفنا ان النبوة ختمت بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمعنى ان الانبياء السابقين كانوا بدلت شريعتهم وحرفت فسيأتي من بعدهم نبي آخر يجدد ما اندرس ويصحح ما حرف اما نحن نعلم ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو خاتم الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ليس بعده نبي مما يتأكد وجود وصي من بعده يمثل الامتداد الطبيعي له، يحافظ على الرسالة، يبين الرسالة ويصون الرسالة من التحريف والتزوير والتشويه وهذا ما تم فعلاً فقد جعل الله لنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اثني عشر وصياً هم الائمة الهداة المهديين، هؤلاء هم ورثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والوراثة هي انتقال شيء من شخص الى آخر بعد موت الاول وهي تطلق على الامور المادية، الميراث المادي كأن يرث الولد من ابيه عقاراً او يرث مالاً وكذلك تطلق على الامور المعنوية كما يقول الباري عزوجل: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا» او كما ورد "العلماء ورثة الانبياء" فوراثة الكتاب لا تعني وراثة الجلد وما شابه ذلك وانما وراثة معاني الكتاب، روح الكتاب، تشريع الكتاب فالوراثة تطلق على المعاني الروحية والقضايا المعنوية، اهل البيت (عليهم السلام) هم ورثة النبي ورثوا منه علمه وورثوا منه كل صفاته الكمالية، ورثوا منه اخلاصه ونقاءه وصفاء قلبه وكبر عقله وعصمته ونوره وما شابه ذلك من الامور المعنوية التي كان يتحلى بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن الوصي لابد ان يكون بمستوى النبي في الملكات الخاصة كالعلم والعصمة وما شابه ذلك وكما ان النبي لابد ان يكون معصوماً لابد ان يكون الوصي معصوماً كما ان النبي لابد ان يكون له مستوى من الكمال لابد كذلك للوصي ان يكون له مستوى من الكمال، الخصائص الروحية، الخصائص الكمالية عدا الوحي طبعاً ومايرتبط به، هذه الخصائص الروحية والكمالية لابد ان تكون في النبي وفي الوصي فأهل البيت (عليهم السلام) بما انهم ورثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورثوا منه كل هذه المعاني الكمالية التي كان يتحلى بها بأعتبار هم اوصياءه وبأعتبار انهم يمثلون الامتداد الطبيعي له والحمد لله رب العالمين.
*******
إنّ ما كتبه العلماء الباصرون في الإمامة، كان مستخلصاً من الآيات الكريمة، والأحاديث الحكيمة، فتوفرت لهم النصوصُ النيّرةُ التي جعلَتهم يتثبّتون علي العقائد الحقّة، فممّا جاء في الإمامة تعريفاً وبياناً، واستدلالاً، قول الإمامِ محمّدِ الباقر (عليه السلام): كان الفريضةُ تنزلُ بعدَ الفريضةِ الأُخري، وكانت الولايةُ آخِرَ الفرائض، فأنزلَ اللهُ عزّوجلّ: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا» (المائدة، ۳).
رواه الشيخ الكلينيّ في كتابه (الكافي)، كذا روي عنه (عليه السلام) أيضاً قولُه: (بُنِيَ الإسلامُ علي خمسةِ أشياء: علي الصلاةِ والزكاة، والحَجِّ والصوم، والولاية).
فقيل له: وأيُّ شيءٍ من ذلك هو أفضل؟
فأجاب (عليه السلام): (الولايةُ أفضل؛ لأنّها مفتاحُهنّ، والوالي هو الدليلُ عليهِنّ). ويكفي دليلاً بيّناً علي ذلك قولُ رسول الله (صلّي الله عليه وآله): (والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لو أنّ رجلاً لقيَ اللهَ بعملِ سبعينَ نبيّاً، ثمّ لم يأتِ بولايةِ وليِّ الأمرِ من أهلِ البيت، ما قَبل اللهُ منه صرفاً ولا عدلاً). ولتوضيح أهميّة الولاية بعد النبوّة، قال الإمام الباقر (عليه السلام) بعد بيانه ما بُنيَ الإسلام: (ولَم يناد بشيء ما نُودِيَ بالولايةِ يومَ الغدير).
وفي (عيون أخبارالرضا (عليه السلام)) روي الشيخُ الصدوق أعلي اللهُ مقامَه حديثاً طويلاً عن الإمام عليِّ الرضا (عليه السلام) قال فيه: (وأنزلَ في حجّةِ الوداع - وهي آخرِ عمرِه (صلّي الله عليه وآله): «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا»، وأمرُ الإمامةِ مِن تمام الدّين).
أماّ الشيخُ الكلينيّ (رضوانُ الله عليه)، فقد روي هو الآخرُ حديثاً مفصّلاً عن الإمام الرضا (عليه السلام)، حول الإمامةِ والإمام، تعريفاً وبياناً واستدلالاً، جاء فيه: (الإمامةُ زمامُ الدّين، ونظامُ المسلمين، وصلاحُ الدنيا وعزُّ المؤمنين. إنّ الإمامةَ أُسُّ الإسلامِ النامي، وفرعُه السامي). ولا بأس- هنا أن نتبيّن شيئاً من معني هذه- العبارات الشريفة، من خلال شرح المولي محمّد صالح المازندرانيّ.
يقول المولي المازندرانيّ في (شرحه لأصول الكافي): كونُ الإمامةِ زمامَ الدّين أمرٌ ظاهر؛ لأنّ ظبطَ الدّينِ أهلَه إنّما يتحقق بها، وكذا كونُ الإمامةِ ممّا تنتظمُ بها أمورُ المسلمين، ويحصل بها صلاحُ الدنيا وعزُّ المؤمنين، إذ لو لا الإمامةُ لَوقعَ الهرجُ والمَرج.
*******