السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأهلا بكم إلى هذه الحلقة من بودكاست "الطفولة المسلوبة"
نستكشف في هذه الحلقة الخلفية السياسية والاجتماعية التي أوجدها الإسرائيليون، وهي الخلفية التي أدت في النهاية إلى نفاد صبر الفلسطينيين واندلاع الانتفاضة. ومع ذلك، يمارس الإسرائيليون المزيد من الظلم والقمع ضد الفلسطينيين.
إبقوا معنا في الحلقة الثانية من "الطفولة المسلوبة".
في سبتمبر/أيلول 2000، استمرت المفاوضات السياسية بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين في حلقة مفرغة من الأزمات والمأزق. واستمرت الحياة الصعبة والشاقة للفلسطينيين، وهي حياة تتلخص في: ضغوط يومية لا نهاية لها ولا تطاق، ونقاط تفتيش، والمشاهد المألوفة للمستوطنات الإسرائيلية التي يتم بناؤها بسرعة وتحاصر المدن الفلسطينية.
وأخيراً، انطلقت نهضة كبرى في الأراضي المحتلة وقد اجتذبت اهتماماً عالمياً. في 29 سبتمبر/أيلول 2000، أطلق الشعب الفلسطيني على هذه النهضة اسم الانتفاضة الثانية. قتلت القوات الإسرائيلية عدداً من المتظاهرين الفلسطينيين في المسجد الأقصى بالقدس. واستمرت الاشتباكات في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، قتل الإسرائيليون المئات من الفلسطينيين وجرحوا آلافا آخرين.
كانت هناك تكهنات كثيرة حول أسباب هذه النهضة الفلسطينية، أو الانتفاضة التي أشير إليها أيضاً باسم "انتفاضة الأقصى". من تلك التكهنات على سبيل المثال يمكن الإشارة إلى الزيارة المثيرة للجدل التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون، إلى المسجد الأقصى.
مما لا شك فيه أن زيارة أرييل شارون الاستفزازية لأقدس مكان ديني للمسلمين، أغضبت الفلسطينيين وأثارت استياءهم. لكن هذا الأمر، إلى جانب ظلم الإسرائيليين وقمعهم لسنوات طويلة، كان بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الغضب. كان شارون قد قمع أيضاً انتفاضة الشعب الفلسطيني قبل الانتفاضة الثانية. وأثناء احتلال إسرائيل لقطاع غزة والضفة الغربية، اندلعت انتفاضات أخرى قمعتها إسرائيل بقيادة شارون.
بناءً على ذلك، فإن اختصار الانتفاضة إلى حدث معين، ينبع إما من قراءة خاطئة لتاريخ فلسطين، أو من فهم قاصر. إن السبب الحقيقي لانتفاضة سبتمبر عام 2000 أعمق من مجرد زيارة قام بها زعيم إسرائيلي مكروه لمكان مقدس ديني. إذ يجب البحث عن أسباب جميع انتفاضات الشعب الفلسطيني في احتلال واغتصاب أراضي فلسطين. إن التاريخ المستمر لاغتصاب الأراضي هو أساس جميع انتفاضات الشعب الفلسطيني.
لقد اتبعت إسرائيل أساليب مزدوجة وعدائية للسلام والعنف. وقد أرادت أن تعلن للعالم أن الفلسطينيين رفضوا عرض السلام وانخرطوا في طريق العنف. بينما كان هدف إسرائيل الرئيسي من لعبة السلم هذه هو السيطرة على الأرض والموارد والاقتصاد، دون تحمل أي مسؤولية تجاه السكان الفلسطينيين المقيمين في المنطقة.
فيما يلي، سنراجع المراحل المختلفة لتطور نظام السيطرة الصهيونية على الشعب الفلسطيني منذ عام 1967 وحتى السنوات اللاحقة. وهو تطور بدأ من التدخل العسكري المباشر إلى السيطرة "عن بعد"، أي نفس بنود اتفاقية أوسلو. وهي البنود التي نصت على أن تتولى حكومة فلسطينية ذاتية الحكم مسؤولية الحياة اليومية للفلسطينيين، ولكنها في الواقع تظل معتمدة تماماً على دولة إسرائيل.
يقدم رجا شحادة، المحامي والناشط الحقوقي الفلسطيني المعروف، تحليلاً دقيقاً لاستراتيجية الاحتلال الإسرائيلي. رجا شحادة هو أحد مؤسسي أولى منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، وهي منظمة "الحق". يعتقد رجا أن سيطرة إسرائيل على الأراضي المحتلة، منذ عام 1967 وحتى اليوم، قد تطورت في أربع مراحل رئيسة.
استمرت المرحلة الأولى من عام 1967 إلى عام 1971. وفي هذه المرحلة، كرست إسرائيل جهودها لإعداد وتنفيذ نظام عسكري للسيطرة على حركة الأفراد، وتجريدهم من ملكية الأراضي والموارد الطبيعية، والسيطرة على جميع المنظمات الإدارية للأراضي المحتلة التي كانت على اتصال مباشر بالفلسطينيين. تم إصدار هذه العملية بأوامر عسكرية من قبل قيادة الجيش الإسرائيلي المتمركزة في الأراضي المحتلة.
وفي وقت لاحق، أصبح العمل بها إلزامياً لسكان المناطق الفلسطينية. هناك العديد من الأمثلة لإظهار الطبيعة القاسية للإسرائيليين في هذا الإجراء. أحد هذه الأمثلة هو الأمر العسكري رقم 58 لعام 1967. بموجب هذا الأمر، إذا كان الشخص غائباً جسدياً أثناء الحرب، حتى في حالة وجود أفراد أسرته، كان يحق لدولة إسرائيل الاستيلاء على ممتلكاته ومنزله.
واستناداً إلى هذا الأمر، استولت إسرائيل على الكثير من الأراضي بهذه الطريقة. وفي وقت لاحق، تم بناء المستوطنات اليهودية على نفس الأراضي المغتصبة. وبحلول عام 1978، كانت نسبة أربعين بالمائة من الأراضي الإسرائيلية التي استخدمتها للإستيطان اليهودي في مرتفعات الجولان، ملكاً لـ "الغائبين".
أصدر المسؤولون الإسرائيليون، بالتنسيق الكامل مع الأوامر السابقة، عدة أوامر عسكرية أخرى. وهي أوامر بموجبها تم منح المسؤولين العسكريين السيطرة الكاملة على مصادر المياه في الضفة الغربية وإدارتها واستخدامها.
المرحلة الثانية التي يشير إليها رجا شحادة كانت من عام 1971 إلى عام 1979. في هذه المرحلة أُطلقت عملية بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. وقد شجع المسؤولون الإسرائيليون اليهود على الإقامة في الأراضي الفلسطينية المغتصبة. كانت المستوطنات مهمة من الناحية العسكرية. لأنها كانت تدمر التجانس والتجاور بين المناطق الفلسطينية المختلفة. ومن ناحية أخرى، كانت تهيئ الأرض للإسرائيليين للاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية والاعتداء عليها.
تم تنفيذ المرحلة الثالثة من عام 1979 إلى عام 1981. وهو الأمر الذي وضع الفلسطينيين تحت سيادة حكومة مدنية وغير عسكرية إسرائيلية جديدة. عين الجيش الإسرائيلي منظمات وإدارات مدنية محتفظا بالسيطرة الكاملة عليها. وبينما كان المستوطنون الإسرائيليون في المناطق المحتلة يتمتعون بالحماية الكاملة للقانون المدني الإسرائيلي نفسه، أصبح اليوم التمييز الذي كان قائماً من قبل، أمراً قانونياً وشرعياً.
ووفقاً لشحادة، بدأت المرحلة الرابعة في عام 1981. وفي هذه المرحلة، ترسخت سيطرة إسرائيل على معظم مناطق الضفة الغربية. في الواقع، ركزت إسرائيل على النظام الاقتصادي الفلسطيني وعلاقته بالكيان الإسرائيلي. نفذت إسرائيل نظاماً ضريبياً معقداً وجبايات إيرادات، بطريقة جعلت التنمية الاقتصادية الحقيقية في فلسطين امرا مستحيلا، بمعنى أنها نفذت سياسة جعلت الاقتصاد الفلسطيني مرتبطا بها تماما.
يمكن إضافة مرحلة أخرى إلى مراحل شحادة الأربع. وهي المرحلة التي بدأت مع اتفاقية أوسلو عام 1993 واستمرت حتى اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000. وهي الانتفاضة التي كانت نتيجة منطقية للظلم والقمع والهيمنة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
لقد تملصت إسرائيل من مسؤوليتها عن الوضع المزري للفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة. والأسوأ من ذلك أنها فرضت سيطرتها المطلقة على فلسطين بقوانين عسكرية واقتصادية وسياسية.
ونتيجة لذلك، وفي إطار هذه المراحل الأربع استطاع الإسرائيليون، السيطرة الكاملة على الأراضي المحتلة بطريقة أجبرت الفلسطينيين على العيش في مراكز مكتظة ومنفصلة.
ييغال ألون الجنرال الإسرائيلي ونائب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إقترح خطة عرفت ب"ألون" و ذلك بعد حرب عام 1967. تنص الخطة على ضم ثلث الضفة الغربية الفلسطينية إلى إسرائيل. وبهذه الطريقة، تتمكن إسرائيل من بناء المستوطنات في الجزء الشرقي من الضفة الغربية. وبالتالي، أصبح آلاف الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية محاصرين وغير قادرين على تطوير أحيائهم. لقد نفذ حزب العمل الإسرائيلي خطة ألون بكل أمانة.
تم تقديم العديد من الخطط الجديدة في عام 1977. والتي كانت تهدف كلها إلى السيطرة على الأرض والتهرب من المسؤولية تجاه السكان الفعليين في فلسطين. وفي السنوات التالية، قدم أرييل شارون خططاً تحمل نفس الأهداف. تضمنت خطط شارون بناء طرق سريعة ضخمة تمتد من الشرق إلى الغرب، لربط المستوطنات الجديدة بتلك الموجودة في وادي الأردن.
وفي أعقاب ذلك، اقترحت المنظمة الصهيونية الدولية خطة خمسية شاملة. في هذه الخطة، دعت المنظمة إلى بناء المزيد من المستوطنات اليهودية حول المراكز السكانية الفلسطينية ومنها الضفة الغربية. لقد تم تنفيذ هذه الخطة بدقة على مدى العقود الماضية. إن استراتيجية المنظمة الصهيونية العالمية أصبحت مفهومة بشكل أفضل اليوم؛ لأنه حسب هذه الخطة تم بناء مستوطنات يهودية بين المدن الفلسطينية للعزل بين سكان المدن.
كانت إسرائيل تدرس أيضًا خططًا أخرى لتحقيق أهدافها الشريرة في أقرب فرصة ممكنة. فقدم الكيان خطة يتم بموجبها انتخاب المجلس التنفيذي من قبل الشعب الفلسطيني، ويكون مقره في رام الله أو بيت لحم. كان هذا المجلس يتولى إدارة الشؤون الداخلية لهذه المناطق. في حين أن ملفات السياسة الخارجية وقضايا الحدود، والشؤون الاقتصادية ، تبقى إدارتها كلها تحت سيطرة الكيان الإسرائيلي. وقد اكتملت هذه الخطة في اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، التي نصت على إقامة حكومة فلسطينية مستقلة مقرها في الضفة الغربية وقطاع غزة.
استمرت مفاوضات السلام خلال السنوات التي تلت توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، لكن الكيانات الإسرائيلية المتعاقبة كانت تزيد من وتيرة بناء المستوطنات. كانت المستوطنات الإسرائيلية تتقدم في الضفة الغربية بهدف عزل المراكز السكانية الفلسطينية عن بعضها البعض، والسيطرة على حركة المرور، ومنع النمو الطبيعي للمدن الفلسطينية. ومنذ عام 1944 وحتى اليوم، تضاعف عدد سكان المستوطنات اليهودية عدة مرات.
من بين البنود الأخرى لاتفاقية أوسلو ، كان بناء طرق سريعة ضخمة وطرقأخرى فرعية تلعب دور الجسر الرابط بين المستوطنات اليهودية والمدن الإسرائيلية. كان العبور على هذه الطرق السريعة مقتصراً على الإسرائيليين فقط. وكان اختلاف لون لوحات ترخيص السيارات الفلسطينية عن اليهودية، يسهل منع دخول الفلسطينيين إلى الطرق السريعة.
كما تم الإعلان عن حظر البناء الفلسطيني في نطاق خمسين متراً من الطريق السريع. في أعقاب اتفاقيات أوسلو، قامت إسرائيل بهدم مئات المنازل الفلسطينية، وبنت واستغلت أكثر من مئات الكيلومترات من الطرق السريعة على الأراضي المغتصبة.
الأمر الأكثر مرارة، هو أن الفلسطينيين يحتاجون إلى تصاريح صادرة عن السلطات العسكرية الإسرائيلية للتنقل إلى القدس أو الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكانت إسرائيل قد حظرت أي حركة مرور بين الضفة الغربية وقطاع غزة لأكثر من عقد من الزمان. بالإضافة إلى ذلك، كان لنظام الحصار ونقاط التفتيش عواقب غير إنسانية. ونتيجة لذلك، أدى حظر إرسال البضائع إلى داخل أو خارج المنطقة إلى تدمير الاقتصاد الفلسطيني بحيث أصبحت واردات البضائع الفلسطينية قاصرة على إسرائيل فقط، ولا تذهب صادراتها إلى أي مكان آخر غير إسرائيل. وفي الواقع، فإن التجارة الحقيقية لفلسطين مع الدول الأخرى غير ممكنة. كانت هذه السيطرة تتم من قبل الإسرائيليين بشكل متعمد وعلني تمامًا.
كما أن المال هو أداة ضغط أخرى في أيدي الكيان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. فمن خلال التذرع باتفاقية أوسلو السخيفة، كانت إسرائيل تجمع الضرائب بنفسها وتقوم بتحويلها شهريًا إلى السلطة الفلسطينية. وإذا ما قطعت إسرائيل تحويل هذه الأموال لأي سبب من الأسباب، فإن السلطة الفلسطينية كانت ستدخل في أزمة مالية كبيرة. وبالتحديد منذ بداية الانتفاضة الثانية، بدأت هذه الأزمة تطال السلطة الفلسطينية.
بالإضافة إلى كل هذا، حافظت إسرائيل على سيطرتها على الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والهاتف، وحتى خدمات الإنترنت في فلسطين. وبهذه الظروف، خفض الإسرائيليون مستوى معيشة الفلسطينيين بشكل حاد. ونتيجة لذلك، تضاعفت معدلات البطالة في فلسطين عدة مرات. بحيث كان أغلب الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر.
ما استمعتم إليه كان العالم الذي يعيش فيه الفلسطينيون. وهو عالم بائس أوجده الإسرائيليون للفلسطينيين في وطنهم الأصلي. كل هذه الظروف ساءت أكثر وأكثر بعد اتفاقية أوسلو التي كانت المفروض أن تكون اتفاقية سلام، وبينما كانت أوضاع المستوطنين اليهود في فلسطين المحتلة تتحسن يومًا بعد يوم تسوء ظروف الحياة للفلسطينيين يوما بعد آخر.
بعبارة أخرى، فإن اتفاقية أوسلو التي كانت تتحدث عن السلام، لم تفعل شيئًا سوى أنها جعلت حياة الفلسطينيين أكثر صعوبة. بل إن هذه الاتفاقية منحت الإسرائيليين الفرصة لتنفيذ خططهم الشريرة لمزيد من احتلال فلسطين. وهي اتفاقية لم تفعل شيئًا سوى أنها خدعت العالم لتظهر أن إسرائيل تسعى للسلام. وبذلك الخداع، مضت قدمًا في تنفيذ خططها وبرامجها. كانت إسرائيل منذ البداية على علم بما تفعله وهي تدرك تماما عواقب ذلك. هذه السياسات لم تكن نتيجة سياسات غير مقصودة، بل كانت استراتيجية واعية من قبل إسرائيل لمعاقبة الشعب الفلسطيني جماعيًا.
كما أن المسؤولين الإسرائيليين اليوم لا يزالون يعلنون علنًا أن سياساتهم مصممة بهدف الضغط على جميع الفلسطينيين. ضمن سياسة العقاب الجماعي التي تتخذ أشكالًا عديدة. والتدخل العسكري هو أكثرها وحشية وقسوة. ومن بين تلك الإجراءات، هجوم الجيش الإسرائيلي على المناطق السكنية المدنية وقتل آلاف الأطفال والنساء الفلسطينيين. رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، آرييل شارون، صرح بوضوح شديد في 4 مارس 2002: "يجب على إسرائيل أن توجه ضربة شديدة للفلسطينيين ... وأن تأخذ منهم ضحايا، حتى يشعروا بالضرر جيدًا."
هذا وقد زعمت إسرائيل مرارًا وتكرارًا أن مقتل الأطفال هو بسبب استخدامهم كدروع بشرية من قبل القوات الفلسطينية أثناء الاشتباكات المسلحة. لكن الحقيقة تظهر شيئًا آخر. على سبيل المثال، في عام 2002، وقعت معظم ضحايا الأطفال في ظروف لم تكن القوات الفلسطينية متورطة في الاشتباكات. الواقع هو أن جميع الأدلة تشير إلى أن عمليات القتل وقعت في ظروف لم تكن فيها أي اشتباكات مسلحة بين الطرفين.
قام القسم الفلسطيني في المنظمة العالمية للدفاع عن الأطفال بدراسة عدة حالات لقتل الأطفال في عام 2002. فقد قام بوصف المظاهرات من ثلاثة مصادر مختلفة: الجيش الإسرائيلي، وجريدة "جيروزاليم بوست و هي إحدى الصحف الرئيسية الناطقة باللغة الإنجليزية في إسرائيل، وتقارير شهود العيان.
أظهرت الدراسات أن المصادر الثلاثة، بما في ذلك التقارير الرسمية للجيش الإسرائيلي، قالت بالإجماع: "عندما قُتل هؤلاء الأطفال على يد الجنود الإسرائيليين، لم يكن هناك أي اشتباك مسلح جارٍ بالتأكيد". لقد قُتل الأطفال عندما كانت القوات الإسرائيلية تقصف المناطق السكنية بشكل مستمر وعشوائي بالدبابات وطائرات الهليكوبتر.هناك إجراء آخر يتمثل في تدمير المنازل السكنية بواسطة الجرافات العسكرية. كان الأطفال محاصرين في المنازل أثناء عمليات الهدم، وقُتلوا تحت ضغط الطوب والحديد الثقيل المتساقط من المباني المنهارة.هناك نوع آخر من العقوبات يتمثل في فرض الأحكام العرفية الطويلة الأمد في فلسطين ونقاط التفتيش. بحيث كان الآلاف من الفلسطينيين مجبرين على البقاء في منازلهم كالسجناء، وإذا شوهدوا في الشوارع، فذلك يعني نهاية حياتهم.
هذه الظروف صعبة للغاية وقاسية لدرجة أن أبسط الأشياء أصبحت مستحيلة. فالأطفال والمعلمون لا يستطيعون الوصول إلى المدارس، والمرضى لا يستطيعون الوصول إلى المستشفيات، ويضيع العمال الكثير من الوقت في الالتفاف حول نقاط التفتيش للوصول إلى أماكن عملهم.
أحد الصحفيين الإسرائيليين الذي كان يسعى إلى إدراك الإسرائيليين الآثار السلبية لنقاط التفتيش على حياة الفلسطينيين، يصف مشاهداته قائلاً: "المرضى وكبار السن والأطفال والنساء الحوامل يتعرضون للقمع والتعذيب اليومي بوحشية وقسوة.
الأطفال الذين ألقوا الحجارة على الجنود، تم إطلاق النار عليهم. والسائقون الذين يحاولون الالتفاف حول نقاط التفتيش، يتم إطلاق النار عليهم. والمرضى الذين لم يتمكنوا من تحمل الانتظار اللامتناهي للحصول على الدواء والطبيب، يموتون دون علاج. الكاتب العربي الإسرائيلي سلمان ناطور، يصف هو أيضا مشهدًا مؤلمًا آخر، حيث رأى أثناء انتظاره للحصول على تصريح مرور في إحدى نقاط التفتيش، سيارة إسعاف كانت تحاول العبور مع تشغيل صفارات الإنذار، لكن لم يُسمح لها بالمرور إلى أن توقفت صفارات الإنذار. ثم اكتشف سلمان ناطور بعد الاستفسار، أن المريض داخل سيارة الإسعاف قد مات".
كان لسياسات إسرائيل العدائية تأثير مدمر على الوضع الصحي للفلسطينيين في المناطق المحتلة. يعاني معظم الأطفال الذين تبلغ أعمارهم بضعة أشهر من سوء التغذية المزمن. وتظهر الأبحاث أن الزيادة في معدلات سوء التغذية ناتجة عن القيود التي تفرضها إسرائيل على حركة المرور. وقد تضرر الأطفال أكثر من غيرهم من جراء انهيار الاقتصاد الفلسطيني ونظام الرعاية الصحية فيه.
وهناك جانب آخر من سياسات العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل، وهو بناء الجدار العازل في عام 2003. وقد تم بناء الجدار العازل ليقطع خطوط الاتصال بين المناطق الفلسطينية عن بعضها البعض. بحيث تدهورت الحياة أكثر وأكثر. كما أن الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، أصبحوا سجناء خلف الأسلاك الشائكة الضخمة.
نشكركم على الاستماع إلى الحلقة الثانية من البودكاست "الطفولة المسلوبة ".
في هذه الحلقة، ناقشنا خلفية نشوء انتفاضة الأقصى، وكذلك تصرفات الكيان الصهيوني لتعميق نظام سيطرته على الشعب الفلسطيني، وقلنا إن كل تصرف يقوم به هذا الكيان هو جزء من سياساته الرامية إلى الاحتلال وفرض مزيد من السيطرة على الشعب الفلسطيني وأراضيه المحتلة.
في الحلقة القادمة سنتحدث لكم ونكشف عن أجزاء أخرى من سياسة الاحتلال والسيطرة التي ينتهجها الكيان الصهيوني والتي أدت إلى المزيد من المعاناة والألم للفلسطينيين.
شكرا جزيلا على دعمكم
حتى الحلقة القادمة
وداعا.