ليس هناك شعب في العالم لا يؤيد أن يكون السلاح محصورا بيد دولته، وهذا أمر لا يحتاج حتى إلى نقاش أو دليل، فالسلاح المنفلت والمنتشر بين الناس، يعتبر من أخطر الأسباب في انعدام الأمن في أي بلد. ولكن هذه المقولة البديهية، لا يمكن تعميمها على جميع الدول والشعوب، خاصة تلك الدول التي مازالت أجزاء مهمة من أرضها محتلة، وأن هناك إرادة واضحة لدى المحتل بعدم الانسحاب بل بابتلاع المزيد من اراضيها.
حالة هذه الدولة وهذا الشعب تصبح أكثر تعقيدا لو علمنا أن المحتل هو الكيان الإسرائيلي التوسعي الغاصب، والدولة المحتلة هي لبنان، التي تفرض أمريكا على جيشه حصارا خانقا، تحول دون حصوله على أي سلاح متطور لحماية أرضه وسمائه وبحره، كما تمنع الآخرين أيضا عن تزويده بالسلاح، تحت ذريعة حماية أمن "اسرائيل".
الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان الذي استمر 20 عاما، دفع الشعب اللبناني وأهل الجنوب بالتحديد، لتشكيل مقاومة رديفة للجيش النظامي، مدفوعا بالحاضنة الشعبية، حيث تبلورة المعادلة الذهبية التي باتت تعرف بمعادلة " الجيش و الشعب والمقاومة"، وبفضل هذه المعادلة التي كانت المقاومة رأس رحبتها تم تحرير جنوب لبنان عام 2000 إلا من بعض المناطق التي مازال العدو يجثم على صدرها.
المقاومة الإسلامية المتمثلة بحزب الله، أثبتت أن من الخطا الاتكال والاعتماد على الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي، من أجل تحرير أرضك، لاسيما إذا كان المحتل الكيان الإسرائيلي، المدعوم بشكل كامل من أمريكا التي أخذت جميع المحافل الدول كرهائن لديها وشلت قدرتها على اتخاذ أي قرار لصالح لبنان، على مدى عقدين من الزمن.
كما أن المقاومة فرضت معادلة ردع على العدو الاسرائيلي الذي بات يحسب ألف حساب قبل إطلاق رصاصة واحدة صوب الأراضي اللبنانية، بعد أن كان لبنان منتهك السيادة أمام البطش الصهيوني، حتى وصل الأمر إلى احتلال العاصمة اللبنانية بيروت.
منذ أن كسر حزب الله هيبة إسرائيل، جند الغرب وعلى رأسه أمريكا بالتواطؤ مع قوى إقليمية عربية وإسلامية معروفة بتبعيتها العمياء للقرار الأمريكي، واتكالا على بعض السياسيين اللبنانيين، الذين يكنون حقدا لايوصف للمقاومة بعد أن فضحتهم، ولا يكتمون علاقتهم بالكيان الإسرائيلي، للنيل من المقاومة، حتى وصل الأمر إلى أن ربطت أمريكا وأطنابها بالداخل اللبناني، كل ما حل بلبنان بسبب الضغوط والسياسات الأمريكية، بسلاح المقاومة، وأشرطت إخراج لبنان من الوضع الاقتصادي الصعب الذي حشرته فيه أمريكا، بخلع سلاح المقاومة، بعد أن أرق هذا السلاح الكيان الإسرائيلي، وأسياده في واشنطن.
لو أردنا تتبع مراحل المخطط الامريكي للنيل من محور المقاومة لاسيما حزب الله، سنكون مضطرين بالعودة إلى اكثر من عقد إلى الوراء وتحديدا إلى مرحلة ما بات يعرف بثورات الربيع العربي، التي جلبت الدمار والخراب لجميع البلدان التي حلت بها، حتى جاء دور سوريا، التي كاتت حلقة مهمة في هذا المحور واستغرق تنفيذ المخطط الجهنمي في سوريا أكثر من عقد من الزمن، شاركت فيه دول عربية وإسلامية، وتم تجنيد كل إرهابي وتكفيري العالم الذين تم شحنهم إلى سوريا تحت رايات طائفية، وكانت حصيلت المخطط إسقاط النظام السوري، وتحول سوريا إلى مرتع لقوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن باتت سوريا مكشوفة إثر تدمير سلاحها وجيشها، ودخلت نفقا مظلما لا يعلم إلا الله متى تخرج منه.
في سوريا منزوعة السلاح، أصبحت قوات الاحتلال الاسرائيلي على مقربة بضعة كليومترات من دمشق، رغم أن النظام السوري الجديد يعلن ليل نهار أنه ليس في حال عداء مع إسرائيل، وأنه على استعداد للتطبيع معها، وسمع بتدمير كل أسلحة الجيش السوري، ولكن لم تعصمه كل هذه التنازلات من أطماع الكيان الاسرائيلي الذي بات يخطط لابتلاع محافظات كبرى من سوريا تحت ذريعة حماية الأقليات فيها!.
في ظل هذه الظروف الصعبة والمععدة التي تبطش بها إسرائيل بكل العرب دون أي اعتبار لعلاقة هذا النظام العربي أو ذاك بها، مدفوعة بتشجيع ودعم وتواطؤ أمريكي صارخ، قررت الحكومة اللبنانية، سحب سلاح حزب الله وأوكلت تنفيذ المهمة للجيش اللبناني، وهو قرار صادم بكل ما للكلمة من معنى، فانه يعني عمليا، تجريد لبنان من عنصر قوته الأبرز، وكشفه أمام الجيش الاسرائيلي، وتحويله إلى لقمة سائغة لأطماعه.
الجهات اللبنانية التي تقف وراء هذا القرار بررت فعلتها بتعرضها لضغوط امريكية، متناسية أن سحب سلاح حزب الله يعني جعل لبنان مستباحا أمام الجيش الاسرائيلي ، وعندها سيتكرر السيناريو السوري الكارثي في لبنان، وقد تحتل إسرائيل بيروت مرة أخرى، ولكن هذه المرة لن تكون هناك قوة يمكن أن تجبر العدو على الانسحاب. لقد فات الواقفون وراء هذا القرار والمؤيدون له والفرحون به، أنه هذا لا يستهدف حزب الله بقدر ما يستهدف لبنان كوجود، بل يستهدف جميع الطوائف الإسلامية والمسيحية دون استثناء.
بالأمس كانت الدعاية الأمريكية الإسرائيلية، تركز على أن العدو الرئيسي لها في سوريا هو نظام بشار الأسد، وإنه بمجرد التخلص من هذا النظام، فإن أوضاع المنطقة ستكون آمنة ومستقرة وسيعم سوريا الرخاء، فاذا بسوريا نفسها كانت مستهدفة كوجود وكدولة، حيث يتم تفتيتها على أسس عرقية وطائفية، دون أن تتجرأ الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، على فعل شيء، كما هي الآن عاجزة عن فعل أي شيء للجياع والمنكوبين في غزة، فهل ستكون هذه الجهات أكثر حرصا على اللبنانيين، من وحشية وبطش قوات الاحتلال الاسرائيلي؟!.