موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا ملجأي عند اضطراري..."
نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، منها دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع ختم بهاتين العبارتين: (يا ملجأي عند اضطراري يا معيني عند مفزعي). ونبدأ نحدثك الآن عن هذين المظهرين.
لقد كرّرنا في لقاءات سابقة ان الشدائد التي يعاني منها العبد متنوعة وانّ لكل منها نمطاً خاصاً وحلاً خاصاً وبالنسبة الى العبارتين اللتين لاحظناهما الآن نجد ان إحداهما تصف توجّهنا وتوسّلنا الى الله تعالى بانه (ملجأ) وبأنه (معين) وهذا ما يدفعنا الى البحث عن معنى الملجأ ومعنى المعين والفارق بينهما.
هذا من جهة ومن جهة اخرى، نجد ان الشدّة التي نلجأ خلالها الى الله تعالى هي: (الاضطرار) اي: حالة كوننا نضطرّ الى ان نقع في شدّة، ونجد ان الشدّة الثانية التي نستعين بالله تعالى في دفعها هي: (الفزع) أو الخوف.
والسؤال هو: ما هي النكات الكامنة وراء هذين النمطين من الشدّة أي: الاضطرار والفزع وما هي النكات الكامنة وراء الحلول التي نتوسل بالله تعالى بان يغمرنا بها وهي: الملجأ اليه تعالى والمعين لنا في التخلّص من الفزع.
بالنسبة الى النمط الاول من الشدّة وهي: (الاضطرار) ومن ثمّ (الملجأ) إلى الله تعالى في الخلاص من الحالة الاضطرارية: يمكننا الذهاب الى ما نبدأ بتوضيحه.
ان (الاضطرار) يعني: ان العبد يتعّرض لشدّة من شدائد الحياة لا مناص له من اللجوء الى الله تعالى للتخلصّ من الحالة المذكورة، ففقدان الأمن مثلاً يجسّد حالة اضطرارية لا مناص للعبد من اللجوء الى الله تعالى للخلاص من ذلك، فاذا كنت مهدداً في حياتك او سمعتك او...، فان امثلة هذه الحالات لا يطيقها العبد ولا ملجأ له غير الله تعالى في التخلص من الشدة المذكورة.
من هنا نجد ان الحل هو (اللجوء) ولا شيء سواه اي: اللجوء الى الله سبحانه وتعالى ولذلك استخدم الدعاء مصطلح (الملجأ)فقال: (يا ملجأي عند اضطراري) للتعيبر عن الحالة المذكورة.
وامّا بالنسبة الى الشدّة الثانية وهي: (الفزع) او (الخوف) فان الدعاء يستخدم عبارة: (يا معيني) والسؤال هو: ما هي الرابطة بينالفزع وبين الاعانة؟
الجواب: الفزع يحتاج الى من يزيله عن الشخص بمعنى ان العبد يطلب (الاعانة) من طرف آخر ليزيل الفزع عنه.
وهذا اذا اخذنا عبارة: (مفزع) بمعنى (الفزع)، امّا اذا اخذناها بمعنى النصرة والاستغاثة ونحوهما حينئذ يكون المعنى على النحو الاتي: يا من يعينني عندما افزع اليه اي: عندما استنصره او استغيثه او ألجأ اليه خائفاً.
ولعل المعنى الاخير هو الاقرب لعبارة: (يا معيني عند مفزعي).
بعد ذلك نواجه مقطعاً جديداً هو: (يا علّام الغيوب يا غفّار الذنوب يا ستار العيوب يا كاشف الكروب يا مقلّب القلوب يا طبيب القلوب يا منوّر القلوب يا انيس القلوب يا مفرّج الهموم يا منفـّّس الغموم).
ان هذا المقطع من الدعاء يتضمّن ثلاثة مظاهر من عظمة الله تعالى منها ما يرتبط بازاحة الشدائد ومنها ما يرتبط بحالات القلب عند الانسان ومنها ما يرتبط بسلوك الانسان كالصدور عن الذنب او العيب.
وبما ان هذه الظواهر لا تحتاج الى تفصيل في الحديث عنها لذلك نؤجّل التعقيب عليها الى لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى.
ختاماً نتّجه الى الله تعالى بأن يغفر ذنوبنا، ويستر عيوبنا ويكشف كروبنا انه سميع مجيب كما نسأله ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.