موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا ذا الحمد والثناء، يا ذا الفخر والبهاء، يا ذا المجد والسناء..."
نحن الآن مع المقطع الثامن من دعاء الجوشن الكبير، حيث يتضمن الدعاء مائة مقطع، كل واحد يتضمن عشر صفات من صفات الله تعالى، والمقطع هو: (يا ذا الحمد والثناء، يا ذا الفخر والبهاء، يا ذا المجد والسناء...) وسنتحدث عن كل من السمات المذكورة، ونبدأ ذلك بالحديث عن عبارة: (يا ذا الحمد والثناء)، فماذا نستلهم منها؟
قبل ان نتحدث عن العبارة المذكورة، يجدر بنا ان نلفت نظرك الى ان العبارات التي تنتظم هذا المقطع من الدعاء هي (ثنائية) او (مزدوجة) الصفات، بمعنى ان كل عبارة تتضمن صفتين، مثل: (الحمد) و (الثناء) في عبارة (يا ذا الحمد والثناء) وهكذا سائر عبارات المقطع.
هنا نحسبك ستتسائل: لماذا نجد في بعض المقاطع صفة واحدة، بينما نجد في البعض الآخر صفتين؟
الجواب: لابد ولن تكون الصفتان متجانستين مع بعضهما (كما سنرى مثلا صفتي (الجود) و (السخاء)، حيث ان الجود هو: العطاء من غير سؤال، بينما الاخرى (السخاء) هو الاعم (كما سنوضح ذلك في حينه ان شاء الله تعالى).
اذن عندما تتناول العبارة صفتين، حينئذ نستخلص وجود الفارق بينهما في نفس الوقت الذي نجدهما مشتركتين في الدلالة العامة والآن حيت نتحدث عن عبارة (يا ذا الحمد والثناء) ماذا نستخلص منها؟
ان (الحمد) هو: الثناء بالكلام على الشيء، بنحو مطلق، بينما (الثناء) هو: المدح المكرر للشيء، واصله (كما تقول المصادر اللغوية) تثنية الشيء، ومنها قوله تعالى «سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي» وهي سورة الحمد فيما تكرر في الركعات جميعاً.
والمهم ان النص عندما يقول (يا ذا الحمد والثناء) فانه ينسحب حيناً على ما يتفضل به الله تعالى على عبده في ميدان تقويمه لما يصدر من العبد من الطاعة كما ينسحب على موقف عباده حيال الله تعالى، حيث يمارسون الثناء والحمد لله تعالى على ما انعم عليهم. ونتجه الى العبارة الثانية وهي (يا ذا الفخر والبهاء) فماذا نستلهم منها؟
(الفخر) هو المباهاة بالخصال المحمودة، وأما (البهاء) فهو: المباهاة بالشيء نفسه (اي: الفخر) ولكن مع الغلبة وليس مجرد ذكر الشيء الحميد، فيكون البهاء حينئذ اعمّ من الفخر، بالاضافة الى استخلاص دلالة اخرى من (البهاء) وهي: ما حسن من الظاهرة وتجلى، متمثلاً في العظمة التي تسمو سبحانه وتعالى.
والمهم بعد ذلك هو: ان الصفتين المشار اليهما، ترتبطان بما يتسم به تعالى من العظمة في الصفات، سواء اكان التلويح بالعظمة جاء في سياق المباهاة مما يتفرد به تعالى من الصفات، او في ميدان المفاخرة في سياق المقارنة مع الاخر، حيث لا مجال للمقارنة بين المطلق وبين النسبي أو بين ما هو غير محدود وبين ما هو محدود أو بين الخالق للشيء وبيت المخلوق من قبل الله تعالى.
هنا قد يتساءل احدكم فيقول: (البهاء) هو الحسن والجمال، كما يقال مثلاً (فلان بهي الطلعة) اي: ذا حسن وجمال، فلماذا استخلصت منها المباهاة؟
الجواب: صحيح ان البهاء هو الحسن والجمال، وصحيح ان البهاء اذا استخدم في صغة من صفات الله تعالى يعني: العظمة (وهذا ما اوضحناه ايضاً).
بيد ان السياق مادام في ميدان (الفخر) في عبارة (يا ذا الفخر والبهاء)، حينئذ فأن استخلاص (المباهاة) يكون اقرب من سواه، لان(الفخر) هو مباهاة: كما هو واضح، فيتسق مع معنى البهاء الذي هو مباهاة ومع ذلك، فان المباهاة والفخر يظلان هنا بمعنى (عظمة الله تعالى) كما اوضحنا قبل قليل.
ختاماً نسأله تعالى أن يوفقنا الى ادراك عظمته التي لا يحيط بها أحد الا في حدود الادراك البشري، سائلين الله تعالى ان يوفقنا ـ بعد ذلك ـ الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.