ولا تقتصر المخاوف على الولادة نفسها، بل تتعداها إلى تحديات عدة، مثل إبقاء الأطفال على قيد الحياة، في ظل الحرمان من المواد الأساسية كالماء والغذاء.
وتثير الظروف الكارثية والموت المنتشر في كل مكان الخوف في نفوس النسوة الحوامل، وبينهن ملاك شبات (21 عاماً)، التي لجأت إلى مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، بعدما نزحت مرات عدة من منطقة الى أخرى، هرباً من الغارات الجوية الإسرائيلية، وتقول ملاك التي يقترب موعد وضعها وتعيش في خيمة: أنا خائفة جداً من الولادة في هذا المكان.
وفي حالة أخرى، اضطرت أسماء أحمد (31 عاماً) إلى النزوح عن منزلها في شمال قطاع غزة بسبب القصف الإسرائيلي، ثمّ لجأت إلى مدرسة إيواء في مدينة غزة، حيث وضعت طفلها في منتصف الليل، وسط انقطاع التيار الكهربائي.
واستعان الطبيب الذي أشرف على ولادتها بضوء الهاتف الخلوي، وقطع الحبل السري بواسطة مقص متعدد الاستخدام، ثمّ وُلد الطفل فرج.
تتذكّر أسماء، بعد أن بلغ طفلها 4 أشهر، مخاوفها التي صاحبت الولادة قائلة: كنت خائفة كثيراً من أن أفقد طفلي، قلت لنفسي إنني سأموت.
أمّا الممرضة براء جابر، التي ساعدتها في ولادتها، فتقول: كان الوقت متأخراً جداً، وكان الاحتلال يقصف أيّ شخص يتحرك، ولم نستطع نقلها إلى المستشفى.
ولادة في الشارع!
وأعلنت الأمم المتحدة، الشهر الماضي، أنّ 12 مستشفى فقط ما زالت في الخدمة من أصل 36 مستشفى كانت تعمل قبل العدوان على غزة. أمّا مستشفى الولادة الإماراتي في رفح، التي لجأ اليها نحو 1.5 مليون شخص، فلم يتبقّ سوى 5 غرف للولادة.
وأضافت أنّ القيود التي تسببت بها "إسرائيل" أدّت إلى توقف معظم قوافل المساعدات. وأشار صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أنّ 62 حزمة مساعدات من المواد الخاصة بحالات الولادة تنتظر السماح لها بالدخول عبر معبر رفح.
وكانت سماح الحلو في الشهر الأخير من حملها، حين وصلت إلى رفح، حيث كافحت لتحصل على الرعاية التي تحتاجها. تقول سماح: "أخبروني أني سأحتاج إلى عملية جراحية بسيطة أثناء الولادة، ولكن الجراحة تأخرت أسبوعين، إذ لم يكن هناك أطباء، ولا أسرة، ولا غرف عمليات.
وفي وقت لاحق، وضعت سماح طفلها محمد، لكنها لم تستطع البقاء في المستشفى، إذ سرّحها الأطباء مع طفلها لفتح المجال أمام حالات الولادة الطارئة، فالمكان لا يتّسع للجميع.
وتقول سماح: عدت إلى الخيمة في منطقة المواصي في رفح، حيث كان البرد شديداً، وكنت أعاني آلاماً شديدة أيضاً، وعندها شعرت أني سأفقد ابني. وأضافت: حياتنا هنا في الخيمة قاسية، وأسوأ من جهنم.
ويقول الطبيب الفرنسي، رافاييل بيتي، الذي كان يقوم بمهمة في جنوب قطاع غزة، إنّ هذا الخروج السريع من المستشفى أمر روتيني، فعندما تلد النساء تأتي أسرهنّ لاصطحابهنّ، مشيراً إلى أنّ المستشفى غير قادر على تحديد موعد للمتابعة، لأنً الكثير من الأشخاص يقصدونه.
وأفادت بعض السيدات أنّه طُلب منهنّ إحضار فرش وأغطية، إذا أردن البقاء في المستشفى بعد الولادة. واضطرت نساء أخريات إلى الولادة خارج المستشفيات، أو في الشوارع على الأرض.
جميع النساء الحوامل معرضات للخطر
ولا يقتصر الخطر على النساء اللواتي اقترب موعد وضعهن، بل جميع النساء الحوامل معرضات للخطر، بسبب نقص الغذاء في وقت الحرب. ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإن 95% من النساء الحوامل أو المرضعات يواجهن نقصاً غذائياً حاداً.
وحذّر صندوق الأمم المتحدة للسكان، في تقريره للشهر الماضي، من أنّ انتشار المراحيض والحمامات غير الصحية يؤدي إلى التهابات المسالك البولية الخطرة على نطاق واسع.
ومنذ اندلاع الحرب، تعاني رؤى السنداوي، الحامل بـ 3 توائم، من الدوار بسبب تناولها طعاماً معلباً يؤثر على امتصاص الحديد، وفقاً لطبيبها.
تقول السنداوي (20 عاماً): اضطررت إلى اللجوء إلى التكايا التي توزع الطعام، حيث يوفرون الفاصوليا والعدس والمعكرونة. وتضيف: استطعت أكل هذا الطعام لمدة أسبوع، لكن بعدها لم تعد معدتي تحتمل، وتعبت.
وتستمر معاناة النساء في غزة، مع حلول "اليوم العالمي للمرأة" الذي يصادف اليوم الجمعة الثامن من مارس/ آذار.
وتقول ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأراضي الفلسطينية "دومينيك ألن": هناك العديد من الأزمات في المنطقة التي تعتبر كارثية بالنسبة للنساء الحوامل، وبسبب الكثافة السكانية في غزة وغياب أماكن آمنة، فقد أصبح الوضع "أسوأ من كل كوابيسنا".