نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" حيث يعد الدعاء المذكور من الاهمية بمكان كبير نظراً لان النبي(ص) اوصى الامام علي بن ابي طالب(ع) بقراءته والادمان عليه الى آخر العمر.
وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول في تمجيد الله تعالى (وعلا ربنا في السماوات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى).
لقد حدثناك عن الفقرتين الاوليتين من هذا المقطع في لقاء سابق ونعني بهما قوله(ص) (ربنا في السماوات العلى الرحمن على العرش استوى) الا اننا تساءلنا في حينه عن النكتة الموجودة في انتخاب عبارة الرحمن بدلاً من عبارات اخرى من اسماء الله تعالى وواعدناك بالاجابة عن السؤال وها نحن نجيبك عن النكتة المذكورة فنقول: طبيعياً الجواب هو مجرد احتمال ذوقي ولكننا نجده متناسباً مع سياق الآية الكريمة القائلة الرحمن على العرش استوى، ان الاستواء على العرش كما سبقت الاشارة اليه يعني السيطرة والهيمنة والقدرة غير المحدودة لله تعالى فيكون الاستواء رمزاً للقدرة وللهيمنة ونحوهما ولكن بما ان الله تعالى يتسم بالكمال المطلق حينئذ فان هيمنته على الكون ليست كما هي الهيمنة الجزئية لدى البشر مثلاً حيث يستغل البشر ما منحه الله من القدرة للاستعلاء على الاخرين والحاق الظلم بهم، من هنا فان الآية الكريمة كما نحتمل تهدف الى لفت الانتباه على ان هيمنة الله تعالى وقدرته انما هي مصحوبة بالرحمة ولذلك انتخبت كلمة الرحمان لتشير الى هذا المعنى والا لكان بالمقدور ان يقال مثلاً (الله على العرش استوى).
اذن ثمة نكتة في غاية الاهمية هي ان الله تعالى رحيم وان قوته ورحمته من الصفات الذاتية له تعالى وهو امر يتصاعد او يسهم في تعميق وعينا بعظمته تعالى المصحوبة برحمته.
بعد ذلك نتجه الى العبارتين او الفقرتين الاخريتين فماذا نستخلص منهما؟ والعبارتان هما له ما في السماوات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى.
ان العبارة الاولى منهما تشير الى انه تعالى له السماوات والارض وما بينهما والاخرى تشير الى ان له ما تحت الثرى والسؤال المهم جداً هو انك لاحظت من جانب بان الدعاء من خلال الآية التي اقتبسها من القرآن الكريم يشير الى ان الله تعالى علا في السماوات ولاحظت ان له السماوات والارض وما بينهم ثم لاحظت بان له ما تحت الثرى نقول ان الاشارة الى السماوات والارض وما بينهما وما تحت الثرى لابد وان تنطوي على نكات والا فان الاشارة الى انه تعالى له السماوات والارض تتناغم ومع الاشارة الى هيمنته المطلقة المتمثلة في انه تعالى قد استوى على العرش فما هو السر الكامن وراء ذلك؟
من الواضح ان الدعاء يستهدف تعميق وعينا بالمفردات التي تفصح عن عظمة الله تعالى ومنها ما يتصل بالتفصيلات المرتبطة بابداعه تعالى فهو من جانب يهيمن على الكون كله (الرحمن على العرض استوى)، ولكن من جانب آخر فان الدعاء يستهدف تقديم التفصيلات لمفردة الهيمنة حيث اشار الى السماوات بصفتها وجوداً مادياً بينهما كانت عبارة استوى على العرش رمزاً معنوياً لانه تعالى منزه عن الحدوث من جانب ثالث استهدف الدعاء الاشارة الى مفردات الوجود متمثلة في السماوات الارض ما بينهما تحت الثرى أي ان الوجود العيني لنا كمادة الكون نتصورها حسياً في السماوات ثم في الارض التي نحياها ثم ما بين السماوات والارض وهو الجو ثم ما تحت الارض اذن الوجود الحسي للكون كما نتصوره يستقطب هذه الوجودات الاربع وهو امر يعمق كما قلنا الاحساس بعظمته تعالى وبهيمنته الرحيمة.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******