نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ (يستشير) وهو الدعاء الذي علمه رسول الله(ص) الامام علياً(ع) واوصاه بقراءته يومياً طيلة العمر، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يتضمن مقابلات بين عظمة الله تعالى وبين ضعف العبد وحاجاته الى الله تعالى حيث نقف عند الفقرات القائلة (وانت المعافي وانا المبتلى وانت المجيب وانا المضطر).
ونقف عند هاتين العبارتين اللتين ينتهي بهما مقطع الدعاء تقول العبارة الاولى من مقطع الدعاء انت المعافي وانا المبتلى، هذه الفقرة مثل سائر الفقرات التي حدثناك عنها في لقاءات سابقة من حيث وضوحها والفتها ولكن كما كررنا ان امثلة هذه العبارات المألوفة والواضحة تتضمن في الان ذاته جملة نكات لها عمقها وطرافتها دون ادنى شك.
اذن لنتحدث عن هذا الجانب فتقول العبارة الاولى بانه تعالى معافي وتقول عن العبد انه مبتلى والسؤال المهم هو هل يقصد بالعافية وبالابتلاء المعافاة من المرض والابتلاء به؟
والسؤال من جديد هل المعافات او المرض يقصد بهما الجانب الصحي؟ ام يقصد بهما الاعم من ذلك؟ هذه الاسئلة لها اهميتها دون ادنى شك.
ان تأملاً دقيقاً للعبارة المذكورة وملاحظتها في ضوء نصوص دعائية اخرى نستلهم منها انها لمطلق المعافاة ومقابلة الابتلاء ولعلك تتساءل عن الدليل الذي تستند اليه في هذا؟ ونجيبك ان جملة نكات نستخلصها من العبارة المتقدمة نتساءل اولاً هل ان التقابل بين الله تعالى وهو المعافي وبين العبد وهو المبتلى ينحصر في الجانب الصحي كما تعنينا ذلك؟ كلا بطبيعة الحال لماذا؟
ان ابسط ما يمكن ملاحظته هو ان المسألة تتصل بمطلق ما هو عافية ومرض فاذا قلنا بان الله تعالى معافى فهذا ينسحب على معافاته تعالى للمرض بنمطيه الصحي والعبادي والسبب كما قلنا هو ملاحظة نصوص اخرى تتعرض لهذا الجانب ولكن ثمة نكتة في غاية الاهمية وهي ان مقطع الدعاء لم يقل انت المعافى وانا المريض بل قال وانا المبتلى، فلماذا؟
من الواضح ان المرض مع كونه يشتمل الامراض الجسمية والمعنوية حيث ان المرض المعنوي او النفسي طالما اشار النص الشرعي اليه مثل قوله تعالى عن المنافقين (في قلوبهم مرض) حيث يعني المرض النفسي كما هو واضح، ولكن النكتة الاشد اهمية هي ان الدعاء او الكلمة التي استخدمها مقطع الدعاء بالنسبة الى العبد هي الابتلاء وليس المرض وهذا يجسد قرينة واضحة على ان المقصود من قوله(ص) انت المعافي وانا المبتلى هو الاعم من المرض الجسمي والعبادي، كيف ذلك؟
من البين ان كلمة الابتلاء بطبيعتها لا تخص ما هو جسمي او معنوي بل يستطيع القول بان الجانب المعنوي هو الاشد بروزاً في دلالة الكلمة لماذ؟ نتساءل من جديد، السبب هو ان النصوص الشرعية طالما تشير الى كلمات مثل الامتحان، الاختبار، الابتلاء، لنعني بها السلوك العبادي الذي يختبر به الله تعالى عباده من حيث ممارساتهم الى خلقهم من اجلها، الم يقل تعالى الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملاً؟ اذن ان الذهن لينصرف الى ان المقصود من ان الله تعالى هو المعافي وان العبد هو المبتلى، الابتلاء معنوياً ولكن مع ذلك فان السياقات التي وردت فيها هذه الكلمة ونحوها تدل على ما هو اعم من الابتلاء العبادي او الصحي.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الدلالة التي استخلصناها من عبارة انت المعافي وانا المبتلى، والاهم من ذلك هو ان نسأله تعالى بان يعافينا من الامراض النفسية والجسمية والفعلية والعبادية، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******