نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وهو دعاء علمه النبي(ص) علياً(ع) واوصاه بقراءته يومياً طوال العمر وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول عن الله تعالى (واضحكت وابكيت وعلى العرش استويت)، ان العبارة او الفقرة الاولى القائلة بان الله تعالى اضحك وابكى تظل من العبارات الرمزية المعروفة في القرآن الكريم لانها تترشح بدلالات متنوعة وهذا احد الوجوه البلاغية التي تتسم النصوص الشرعية والسؤال الان هو ماذا نستلهم من عبارة واضحكت وابكيت؟ هذا ما نحاول القاء الاضاءة عليه الان.
قلنا ان الضحك والبكاء عندما يردان في النصوص الشرعية فانهما يقترنان بما هو رمزي والرمز هو التعبير عن اشياء غير محدودة بعبارة محدودة وهذا ما ينسحب على ما نحن بصدده، لكن ينبغي التذكير بان النصوص الشرعية ذاتها بخاصة النصوص الواردة عن النبي(ص) والمعصومين عليهم السلام قد اوضحت منها جملة من الدلالات التي ترشح بها هاتان العبارتان من ذلك مثلاً قوله تعالى «فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً»، حيث فسرت بالجزاءات المترتبة على سلوك الانسان بصفة ان الدنيا تتسم بالمتاع العابر، وان المتاع هو قليل بالقياس الى الجزاءات السلبية المترتبة على سلوك الانسان الدنيوي، انه استمتع قليلاً بمتاع الحياة الدنيا، ولكنه سيبكي كثيراً في آخرته.
لكن لنتجاوز الان هذه الآية الكريمة ونتجه الى الآية الاخرى القائلة «وانه هو اضحك وابكى»، حيث اقتبسها الدعاء، واستخدمها في عبارة واضحكت وابكيت، فماذا نستلهم منها؟
قلنا ان الاحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام تقدم لنا جملة اجابات عن الموضوع المذكور، منها ان ظاهرة الاضحاك والابكاء او الضحك والبكاء لا تختلف عن اية اجهزة جسيمة كالعين والاذن او الصدر او القلب، أي ثمة جهازان مسؤولان عن عملية الضحك التي تفصح عن الرخاء قبالة البكاء الذي يفصح عن الشدة وما دام الدعاء يتعرض الى الظواهر الابداعية لله تعالى فكذلك التعرض الى الضحك والبكاء يتناول الاشارة الى قدراته تعالى.
ومن الاجوبة الاخرى ان الله تعالى اضحك المطيعين بالرحمة وابكى العاصين بالغضب عليهم. ومن الاجوبة ايضاً ان الضحك والبكاء ينسحبان على الاشجار المثمرة والسحب الممطرة حيث تضحك الاولى وتبكي الاخرى.
نقول ثمة اجوبة اخرى بالنسبة الى هذين الرمزين ولكننا كما هو دأبنا دائماً نقول ان كل ما يمكن لقارئ الدعاء ان يستخلصه ويفسره يظل واحداً من السمات البلاغية للنصوص الشرعية حيث ان تعدد المعنى هو احد وجوه البلاغة من هنا يمكننا ان نقر بان جميع ما ورد حياله من تفسير للضحك والبكاء يظل له مشروعيته.
اخيراً ختم مقطع الدعاء بعبارة «على العرش استوى» وبما ان هذه العبارة حدثناك عنها مكرراً في لقاءات متنوعة لذلك لا ضرورة لاعادة الحديث عنها بقدر ما نشير عابراً الى ان هذه الفقرة هي نص قرآني كريم، وهو نص بلاغي رمزي أي ان عبارة استوى على العرش ترمز الى القدرة والهيمنة والسيطرة التي يتميز بها الله تعالى في عظمته غير المحدودة أي ان الله تعالى هيمن على الوجود وسيطر عليه وانها القدرة غير المحدودة لله تعالى انها الامتلاك لناصية الوجود بنحوه المطلق.
اذن تبين لنا ما ترمز اليه عبارة استوى على العرش وقبل ذلك عبارة اضحكت وابكيت حيث تنطوي على جملة دلالات والمهم هو ان العبارات المتقدمة تتحدث عن عظمته تعالى وهنا نسأله تعالى ان يوفقنا للطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******