لا زلنا نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه (اشهد بانك انت الله الواحد الاحد المتفرد الصمد الفرد)، وهذا المقطع كما نلاحظ يتضمن مجموعة صفات واسماء للمبدع تعالى أي هي اسماء وصفات توحيدية حدثناك عنها في لقاءاتنا السابقة عدا كلمة الصمد حيث نحدثك عنها الان فنقول، كلمة الصمد ترد في سورة التوحيد كما هو واضح وترد في الادعية المتنوعة وقد نقل المعنيون بالتفسير في دلالتها الموشحة جملة معان منها ما ورد عن الامام الباقر(ع) بان الصمد هو المنتهى من السؤدد وهو الدائم الذي لم يزل ولا يزال، وهو من لا يتناول الطعام والشراب وهو السيد المطاع الذي لا آمر فوقه ولا ناه، واما زين العابدين(ع) فقد ورد عنه بالنسبة الى الصمد فقال هو لا شريك له ولا يؤوده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء واما الحسين(ع) فقد فسر الصمد بقوله(ع) عن النبي(ص) ان الله تعالى قد فسر كلمة الصمد فقال لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً احد، واما المفسرون من غير المعصومين عليهم السلام فقد ورد عن احدهم قوله بان الصمد هو من ابدع الاشياء فخلقها اضداداً واشكالاً وازواجاً وتفرد بالوحدة بلا ضد.
هنا نلفت نظرك الى ان هذه النصوص التفسيرية لا تتعارض بطبيعة الحال بل انها تتحدث عن التنوع او الكلمة المرشحة بعدة دلالات وهي أي الترشح او التعدد في التأويلات ظاهرة بلاغية ذات اثر كبير في اثراء المعرفة لدى قارئ النص القرآني الكريم.
نتجه بعد ذلك الى المقطع الاخر من الدعاء وهو يتضمن جملة عبارات او فقرات منها الاشارة الى انه تعالى اليه المصير ومنها الصلاة على محمد وآله ومنها التوسل بالله تعالى بغفران الذنب وستر العيب، وطلب الرحمة، وسعة الرزق ثم اختتام ذلك بعبارة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
ان هذه العبارات المتنوعة والموزعة بين موضوعات مختلفة كل واحدة منها تحمل دلالة خاصة مشفوعة بجملة نكات يجدر بنا ان نمر خلالها سريعاً منها مثلاً التوسل بالله تعالى بغفران الذنب وستر العيب، هنا قد تسأل قائلاً، ما هو الفارق بين غفران الذنب وبين ستر العيب؟ الجواب هو ان الذنب هو ممارسة المعصية واما العيب فهو اعم من ذلك حيث ينسحب على الذنب وعلى سواه من الممارسات التي تقرب بما هو غير مقبول عند الله تعالى وعند الناس بدورهم وهذا انما يتصل بالفارق بين الذنب وبين العيب واما الفارق بين التوسل بالله تعالى بان يغفر الذنب ويستر العيب، فان الغفران للذنب هو عدم ترتيب عقاب عليه، بينما ستر العيب هو عدم اطلاع الاخر عليه حيث ان الدافع الى التقدير الاجتماعي او الانتماء الذاتي والاحترام للذات يتطلبان عدم تعريض الذات الى الهوان او الذل الاجتماعي كما هو واضح.
يبقى ان نشير الى مفردات اخرى وردت في ختام النص المتقدم مثل طلب الرحمة وسعة الرزق حيث يدفعنا مثل هذا الطلب الثنائي أي الرحمة والرزق الى التساؤل عن العلاقة بينهما؟ والجواب هو ان الرحمة هي العطاء الاشمل والاهم بحيث تتسع لكل شيء في الدنيا والاخرة بحيث يكون طلبها محققاً لجميع حاجات العبد ولكن الرزق وسعته عندما يقترن بطلب الرحمة فهذا يعني ان الرزق يكتسب اهمية خاصة هي ان العبد لا يستطيع ان يحتفظ بتوازنه النفسي اذا كان رزقه غير واسع كما هو واضح.
اخيراً نجد ان الدعاء المذكور ختم فقراته بعبارة (لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم)، ونعتقد ان احداً منا لا يجهل اهمية هذه العبارة بخاصة انها وردت في ختام النص المذكور مما تعني ان الامر كله بيد الله تعالى وان العبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وان الختام لكل ما يتطلع اليه العبد هو ان يتوكل على الله تعالى وحده وان كل ما يعمله ويخيل اليه بان ذلك هو جهة شخص انما هو كلام لا حقيقة له لان الحقيقة هي انه لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وحده. ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا للطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******