السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته...
أزكى تحية نحييكم بها ونحن نلتقيكم في مطلع لقاء اليوم من برنامجكم العقائدي هذا نتابع معاً أيها الأكارم البحث في الإجابات القرآنية عن سؤال تناولناه في الحلقتين السابقتين هو:
لماذا أكد النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – في حديث الثقلين المتواتر أن النجاة من الضلالة لا تكون إلا بالتمسك بالقرآن والعترة المحمدية الطاهرة معاً؟
وقد حصلنا في الحلقتين السابقتين على إجابة قرآنية من الآيتين الثالثة والأربعين والرابعة والأربعين من سورة النحل، وفيهما تصريح بأن سنة الله عزوجل جرت مع سائر كتبه المنزلة أن يكون تبيينها للناس بواسطة (رجال) هم الأنبياء وأوصيائهم ولذلك فقد كانت مهمة النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – ليس مجرد إبلاغ الوحي الإلهي بل تبيينه للناس الذين نزل إليهم، وبذلك فإن من رحمة الله بعباده أن جعل لهم مرجعاً معصوماً يرجعون إليه للفوز بالفهم المعصوم للكلام الإلهي، ولذلك أمر عزوجل العباد بالسؤال من أهل الذكر.. ومصداقهم بالنسبة للقرآن الكريم هم محمد وآله الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين كما نصت على ذلك الروايات الكثيرة المروية من طرق الفريقين.
وفي هذا اللقاء ننطلق للحصول على إجابة قرآنية ثانية عن السؤال المتقدم من الآية السابعة من سورة آل عمران، فتابعونا على بركة الله.
قال الله أصدق القائلين في هذه الآية الكريمة:
"هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ".
أيها الأفاضل، هذه الآية الكريمة تبين ثلاثاً من خصائص القرآن الكريم يهدي فهمها المؤمن إلى معرفة أحد أوجه حكمة الله وعظيم رحمته بعباده، وبالتالي معرفة أحد أسرار التأكيد النبوي على حصر النجاة من الضلالة بالتمسك بالقرآن وأهل البيت – عليهم السلام – معاً.
الخصوصية الأولى هي أن حكمة الله ورحمته شاءت أن ينزل كتابه العزيز مشتملاً على نوعين من الآيات: المحكمات والمتشابهات.
والمحكمات هن الآيات التي لا تحتمل أكثر من وجه واحد بيّن ولذلك فهن أم الكتاب أي المرجع والأصل الذي تفسر به الآيات المتشابهات.
قال مولانا الرضا – عليه السلام – كما في كتاب (عيون أخبار الرضا): "من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم.. وإن في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها فتضلوا".
أما المتشابهات، فهي الآيات الكريمة التي يحتمل ظاهرها أكثر من تفسير ووجه فهي حمالة وجوه حسب تعبير الإمام علي – عليه السلام – في احتجاجه على الخوارج، ويكون معرفة الوجه الحقيقي الذي يريده الله عزوجل بإرجاعها إلى المحكمات وتفسيرها على ضوئها كما يشير لذلك وصف الله عزوجل للمحكمات بأنها أم الكتاب.
هذه هي الخصوصية الأولى، أما الخصوصية الثانية فهي أن الذين في قلوبهم زيغ أي الذين اتخذوا الهوى إلهاً، فهم يتبعون ما تشابه من آيات القرآن الكريم ابتغاء الفتنة أي إبتغاء إضلال الناس وجعلهم أتباعاً لهم، وكذلك إبتغاء الحصول على تأويل القرآن والإستغناء به عن الإئتمام بالغير.
أما الخصوصية الثالثة فهي أن لهذا الكتاب الإلهي العزيز تأويلاً وجوهراً وباطناً وحقيقة هو بالنسبة لظاهره بمنزلة الروح من الجسد، وهذا هو سره المكنون والنبع الزلال الذي تدل عليه ظواهر الآيات الكريمة؛ وهو الذي ينفذ إلى قلب الإنسان ويحييه مثلما أن ظاهر القرآن يخاطب عقل الإنسان ويحييه وهذا التأويل هو من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله بالأصالة ومن ارتضاه من عباده الذي لا يبغون به فتنة الناس واستعبادهم بل يتخذونه وسيلة لهداية الخلق إلى خالقهم والعباد إلى معبودهم.
وهم الراسخون في العلم الذي يطلعهم الله على غيب تأويل كتابه فيقولون (آمنا به كل من عند ربنا) وهؤلاء يتحلون بالعصمة الإلهية التي تعصمهم من أن يتخذوا تأويل القرآن وسيلة لإستعباد الناس كما يفعل الذين في قلوبهم زيغ.
أيها الأكارم، وعلى ضوء فهم هذه الخصائص في كتاب الله العزيز ندرك حكمة الله عزوجل وعظيم رحمته في عباده عندما قرن قرآنه المجيد بالراسخين في العلم والمعصومين الذين خصهم بعرفان تأويله، فقد جعلهم مناراً يعلمون عباده سبل إرجاع متشابهات آيات كتابه العزيز إلى محكماته لكي ينجوا من فتنة إتباع المتشابهات والسقوط في الإنحرافات وكذلك لكي يحصنونهم من إتباع الذين في قلوبهم زيغ من أئمة الضلالة الساعين إلى إستعبادهم وصدهم عن الصراط المستقيم والتوحيد الخالص.
وكذلك لكي يدخلوا في قلوب العباد حقائق التأويل القرآني – كل حسب إستعداده – فتكون وقوداً وزاداً لهم في السير على الصراط المستقيم، فلا يفارقون القرآن لأن أئمتهم لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم كما نص على ذلك حديث الثقلين المتواتر.
وعليه يتضح أن حديث الثقلين هو ترجمان نبوي لمنطوق الآية الكريمة المتقدمة يبين ما أشارت إليه من أن خصائص كتاب الله العزيز نفسه تستلزم أن يكون التمسك به مقترناً بالتمسك بالمعصومين من الراسخين في العلم الذين لا يبتغون من تعليم القرآن إلا وجه الله تبارك وتعالى.
والمزيد من التوضيح الحديثي والروائي لهذه الإجابة القرآنية يأتيكم أعزاءنا في الحلقة المقبلة من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، نشكر لكم جميل المتابعة وفي أمان الله.