سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات...
تحية مطيبة برحمة الله وبركاته نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج العقائدي.
سؤالنا في هذا اللقاء هو: هل أن آيات إكمال الدين وإتمام النعمة ومعها حديث تهدي إلى إمامة الوصي المرتضى وحده أم سائر أئمة العترة المحمدية عليهم السلام؟
نرجع معاً إلى النصوص الشريفة بحثاً عن الإجابة فكونوا معنا مشكورين.
في البداية نشير إلى أسباب نزول هذه الآيات في حجة الوداع، فقد بدأت حسبما أثبته العلماء في كثير من التحقيقات القرآنية، بنزول الآية السابعة والستين من سورة المائدة وهي قول الله أصدق القائلين: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ".
والتدبير في هذه الآية الكريمة يهدي الإنسان المنصف حتى قبل الرجوع إلى الروايات الشريفة الواردة بشأن أسباب نزولها، إلى أن ثمة أمر إلهي مهم نزل على الرسول الخاتم – صلى الله عليه وآله – وأمر بتبليغه للناس وهذا الأمر الإلهي يحظى بأهمية كبرى في أصل الرسالة المحمدية بحيث أن عدم تبليغه يعني عدم تبليغ أصل الرسالة، فبه يكون قوام الدين الإلهي الخاتم ديمومته وبقائه.
وواضح من سياق الآية أن نبي الرحمة – صلى الله عليه وآله – كان يخشى من تبليغ مضمون هذا الأمر الإلهي المهم بسبب ردود فعل مضادة كان يتوقعها ولذلك وعده الله بأن يعصمه من الناس ولا يسمح لهذه الردود المتوقعة بأن تؤثر على ما يريد إنجازه من تبليغ هذا الأمر الإلهي.
ومصدر ردود الفعل المضادة هذه هو (الكافرون) الذين لم يؤمنوا حقاً بالرسالة المحمدية وإن تظاهروا بالإسلام ولذلك ختم الله عزوجل الآية بقوله "إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".
فما هو هذا الأمر الذي أمر رسول الله – صلى الله عليه وآله – بتبليغه؟
هنا نرجع إلى روايات المؤرخين لمعرفة الجواب، فابقوا معنا.
ووردت كثير من النصوص ومن طرق الفريقين كما ذكرها مفصلاً العلامة الأميني في موسوعة الغدير وغيره من العلماء من السنة والشيعة في دراسات تحقيقية عديدة أن هذه الآية نزلت في واقعة الغدير وإعلان النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – تنصيب أمير المؤمنين – عليه السلام – خليفة وولياً للمسلمين من بعده.
ولكن الأمر لم يقتصر كما سنرى في النصوص الشريفة على إعلان إمامة الوصي المرتضى وحده، بل شمل إعلان إمامة عموم الأئمة الإثني عشر من العترة المحمدية عليهم السلام.
ولكون الأمر يرتبط بأهل بيت النبي – صلى الله عليه وآله – فقد خشي الصادق الأمين من تبليغه بسبب ردود الفعل المضادة، ومنشأ هذه الردود هو التعصبات القبلية الجاهلية التي لم تكن تتحمل إجتماع النبوة والخلافة في بطن واحد من بطون قريش هو بطن (بني هاشم) وهذا ما صرحت به كثير من كلمات القرشيين حتى من كبار الصحابة وقد سجلتها كتب التأريخ المعتبرة، ولم تكن قبائل قريش تتحمل حصر الخلافة في أحد فروعها حتى لو كان ذلك بأمر الله الحكيم عزوجل.
فقد إعتادت قريش تقسيم الزعامات والإمتيازات على فروعها كما كان حالها مثلاً في سدانة الكعبة وسقي الحجيج ورفدهم وغير ذلك كما هو مثبت في المصادر المعتبرة.
وقد كانت تتوقع مثل هذا التقسيم حتى في شؤون الرسالة المحمدية رغم التصريحات القرآنية المتعددة بأن الله عزوجل أعلم حيث يجعل رسالته.
لكن الأعراف القرشية السابقة كانت لا تزال حاكمة ومؤثرة في النفوس ولذلك خشي نبي الرحمة من إثارة هذه النزعات الجاهلية بإعلان الأمر الإلهي في أهل بيته المطهرين صلوات الله عليه وآله أجمعين.
ولأنه – صلى الله عليه وآله – رؤوف بالناس لذلك خشي عليهم من عواقب نزول العذاب الإلهي عليهم إذا بلغ أمر الله في أهل بيته وجاهر القوم بالتمرد عليه كما حدث بالفعل في مصداق درء الله به الفتنة وأشار إليه في الآيات الأولى من سورة المعارج ترتبط بما بعد تبليغ أمر الله في واقعة الغدير وهذا ما سننقله لكم بعد قليل.
جاء في تفسير مجمع البيان، نقلاً عما أسنده الحاكم الحسكاني الشافعي عن الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – عن آبائه عليهم السلام قال:
لما نصب رسول الله – صلى الله عليه وآله – علياً وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، طار ذلك في البلاد فقدم على النبي – صلى الله عليه وآله – النعمان بن الحارث الفهري فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأمرتنا بالجهاد والحج والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟
فقال النبي – صلى الله عليه وآله - : "والله الذي لا إله إلا هو إن هذا [أمر] من الله. فولى النعمان بن الحارث وهو يقول: والله إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فرماه الله بحجر على رأسه فقتله وأنزل الله تعالى (سأل سائل بعذاب واقع)".
وإلى هنا يتضح – مستمعينا الأفاضل – أن آية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) تدل بوضوح على أهمية أمر الإمامة والولاية وأن بها قوام الدين الحق.
وقد نصت روايات المؤرخين من مختلف الفرق أن تبليغ الرسول – صلى الله عليه وآله – لما أنزل إليه من ربه إشتمل على نصب علي – عليه السلام – للخلافة من بعده في خطبة يوم الغدير والإعلان عن إمامة أئمة العترة النبوية في حديث الثقلين الذي إشتملت عليه هذه الخطبة.
وبذلك تكون هذه الآية دالة على النص الإلهي على إمامتهم جميعاً وليس علياً – عليه السلام – وحده هذا ما سننقل نماذج من رواياته في الحلقة المقبلة بإذن الله من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إلى حينها نستودعكم الله ودمتم بألف خير.