السلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله وبركاته..
أهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج العقائدي وفيها نتابع معاً البحث في النصوص الشريفة عن صفات الإمام الحق الذي تنجي معرفته من ميتة الجاهلية والذي لا يخلي الله عزوجل الأرض منه في أي زمان، حجة له على الخلق وسبباً لنجاتهم من الضلالة.
وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة وصحاح الأحاديث الشريفة الكثيرة والمروية من طرق مختلف المذاهب الإسلامية، كما عرفنا في الحلقات السابقة وعرفنا من هذه النصوص خمسة من الشروط التي يجب أن تتوفر فيه والصفات التي ينبغي أن يتحلى بها.
وهذه الصفات الخمس هي أن يكون معصوماً بالله لم يشرك به طرفة عين ولم يرتكب أي معصية وأن يكون مهتدياً بالله غنياً عن أن يهتدي بغيره من الخلق.
والثالثة أن يكون من الموقنين الذين أراهم الله ملكوته فصاروا من حملة عرشه.
والرابعة أن يكون متحلياً بأعلى مراتب الصبر في القيام بمهام الإمامة الإلهية وتحمل تبعاتها.
والخامسة أن يكون هادياً بأمر الله يعين عباده بإرادة الله التكوينية وأمره عزوجل الملكوتي على تحقيق أهداف عبادتهم لله تبارك وتعالى.
فما هي الصفات الأخرى للإمام الحق؟
أيها الأكارم، المستفاد من النصوص الشريفة هو أن من شروط الإمام الحق الذي يختاره الله للناس إماماً هو أن يكون سابقاً لهم جميعاً في الخيرات وطاعة الله، لكي يكون الأسوة الحسنة لهم يقتدون به في ذلك.
وإلى هذا الشرط يشير قوله عزوجل في الآية ۷۳ من سورة الأنبياء:
"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ".
ويستفاد من التدبر في هذه الآية أن من جعله الله عزوجل إماماً يكون مؤيداً بالتأييد الإلهي أو ما يعرف في الأدعية الشريفة بتوفيق الطاعة، فيكون سباقاً للخيرات لا يدعو الناس لشيء من الطاعة إلا وقد سبقهم إليه كما ورد في الحديث المشهور عن أميرالمؤمنين عليه السلام.
وهذه الصفة ضرورية بحكم أن منصب الإمامة يعني أن الإمام هو الحبل المتصل بين الأرض والسماء، والقدوة التي يقتدي بها من يطلب السعادة والكمال فلا تكون حجة الله كاملة على الخلق ما لم يكن الإمام أسبق الخلق في زمانه إلى طاعة الله عزوجل.
قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان ضمن بيانه الآية الكريمة من سورة الأنبياء: "الإمام هو الرابط بين الناس وبين ربهم في إعطاء الفيوضات الربانية الباطنية وأخذها كما أن النبي رابط بين الناس وبين ربهم في أخذ الفيوضات الظاهرية وهي الشرائع الإلهية التي تنزل بالوحي على النبي وتنتشر منه وبتوسطه إلى الناس، والإمام دليل هاد للنفوس إلى مقاماتها كما أن النبي يهدي الناس إلى الإعتقادات الحقة والأعمال الصالحة..."
ثم قال رحمه الله عن معنى الوحي بفعل الخيرات للأئمة في هذه الآية "... وقوله عزوجل "وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ" يدل بظاهره على أنهم – عليهم السلام – كانوا قبل ذلك عابدين لله ثم أيدوا بالوحي وعبادتهم لله كانت بأعمال شرعها لهم الوحي المشرع قبلاً فهذا الوحي المتعلق بفعل الخيرات وحي تسديد وليس وحي تشريع".
وخلص رحمه الله، إلى النتيجة التي سجلها بقوله: "والمحصل أنهم كانوا مؤيدين بروح القدس والطهارة، مسددين بقوة ربانية تدعوهم إلى فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة".
وهذا المعنى، مستمعينا الأكارم، نصت عليه كثير من الأحاديث الشريفة، منها ما روي عن الإمام الرضا – عليه السلام – كما في كتاب (عيون الأخبار) أنه قال: "إن الله عزوجل أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك، لم تكن مع أحد ممن مضى إلا مع رسول الله – صلى الله عليه وآله – وهي مع الأئمة منا تسددهم وتوفقهم".
وهذه الروح الإلهية المؤيدة لإمام الأئمة والأنبياء وسيدهم النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – وكذلك للأئمة من عترته الطاهرة – عليهم السلام – هي أعلى وسائل التأييد الإلهي وهذا التأييد يجري مع سائر الأئمة والأنبياء بحسب مراتبهم صلوات الله عليهم أجمعين.
ونقرأ معاً أيها الأفاضل قول الله عزوجل في الآية ۳۲ من سورة فاطر:
"ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ".
فواضح من هذه الآية الكريمة أن السابق بالخيرات متقدم على غيره من فئات الطائفة التي إصطفاها الله لوراثة الكتاب، وهذه الأسبقية تكون بإذن الله، أي بتأييده عزوجل كما هو المستفاد أيضاً من آية سورة الأنبياء التي تقدم الحديث عن دلالتها.
قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان "ما في الآية من المقابلة بين الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات، يعطي أن المراد بالظالم لنفسه من عليه شيء من السيئات وهو مسلم من أهل القرآن.. والمراد بالمقتصد المتوسط الذي هو في قصد السبيل وسواء الطريق والمراد بالسابق بالخيرات بإذن الله من سبق الظالم والمقتصد إلى درجات القرب، فهو إمام غيره بإذن الله بسبب فعل الخيرات؛ قال تعالى: والسابقون السابقون اولئك المقربون".
وقد وردت مصادرنا الحديثية المعتبرة عدة من الأحاديث الشريفة تصرح بهذه الدلالة للآية الكريمة على أسبقية الإمام بالخيرات، منها ما روي في الكافي عن الإمام الرضا – عليه السلام – قال: "السابق بالخيرات الإمام، والمقتصد العارف بالإمام والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام".
أيها الإخوة والأخوات، إذاً الصفة السادسة من صفات الإمام الحق الذي تنجي معرفته وإتباعه من ميتة الجاهلية هي أن يكون سابقاً لكل خير بإذن الله عزوجل وتأييده وتسديده، وبذلك يكون إماماً يقتدي به كل الخلق ويكون أيضاً قادراً على أن يوصل لهم الفيوضات والعطايا المعنوية الإلهية بمختلف أقسامها وهي من أسمى مصاديق الخيرات لكونه قد سبق الخلق إليها.
وبهذه النتيجة ننهي من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران حلقة اليوم من برنامج (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) شاكرين لكم أيها الأطائب طيب الإستماع والمتابعة ودمتم بألف خير.