البث المباشر

ما معنى الهداية بأمر الله؟

الأحد 10 مارس 2019 - 12:31 بتوقيت طهران

الحلقة 115

سلام من الله عليكم أيها الأطائب..
طبتم وطابت أوقاتكم بكل ما تحبون وأهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج وهي من الحلقات التي نتناول فيها الأسئلة العقائدية المرتبطة بأصل الإمامة من أصول الدين الحق.
وكان السؤال الأول عرضناه في الحلقة السابقة هو عن معنى الإمامة والفرق بينها وبين النبوة.
وقد أجابتنا الآية ۱۲٤ من سورة البقرة عن جانب من هذا السؤال ببيان حقيقة أن الإمامة مقام غير مقام النبوة، إذ أن الله عزوجل وعد خليله إبراهيم النبي – عليه السلام – بأن يجعله إماماً في أواخر عمره الشريف وبعد أن إتخذه عبداً ونبياً ورسولاً وخليلاً.
فالإمامة عهد إلهي يختار الله عزوجل له من لم يكن طرفة عين من الظالمين، أي من كان معصوماً بالعصمة الإلهية المطلقة؛ فما هي المهمة الأساس للإمام؟
عندما نرجع إلى آيات الذكر الحكيم نجدها تقرن الإمامة حيثما ذكرتها بمعنى الهداية ولكن ليس الهداية العامة بل هداية بمعنى خاص تعبر عنه بتعبير (الهداية بأمر الله عزوجل).
قال الله عزوجل في الآيتين ۷۲ و۷۳ من سورة الأنبياء ضمن نقله لجانب من قصة إبراهيم الخليل – على نبينا الأكرم وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام - : "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ{۷۲} وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ{۷۳}"
إذن فالمهمة المحورية للمنصوبين للإمامة من قبل الله عزوجل هي الهداية بأمر الله عزوجل، ولكن ما معنى الهداية بأمر الله؟
هذا السؤال يجيبنا عنه القرآن الكريم نفسه عندما يبين لنا أن (أمر الله) يعني إرادته التكوينية التي لا يمكن لشيء أن يمنع تحققها، كما يشير لذلك قوله عزوجل في الآيتين ۸۲ و۸۳ من سورة (يس):
"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{۸۲} فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{۸۳}"
وهنا يتضح وجه الفرق بين النبوة والإمامة وبين الهداية العامة والهداية الخاصة، والمزيد من التوضيح يأتيكم أحباءنا بعد قليل، فأبقوا معنا مشكورين.
أيها الأطائب، عندما نتأمل في الآيات الكريمة نجدها تصرح بوضوح أن الله بعث الأنبياء مبشرين ومنذرين، فمهمة الأنبياء هي الهداية العامة بمعنى إراءة الطريق والإرشاد العام إليه وبيان أحكامه، فهم يبلغون إرادة الله التشريعية.
قال تبارك وتعالى في الآية الرابعة من سورة إبراهيم:
"وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".
أما الإمامة فمهمتها ليس مجرد تبليغ هذه الإرادة التشريعية العامة، بل الآخذ بأيد الناس وإعانتهم على الوصول إلى الحق والرشاد بالإرادة التكوينية الإلهية، وهي المعبر عنه في القرآن بالأمر الملكوتي.
قال العلامة الطباطبائي في الجزء الأول من تفسير الميزان ضمن بيانه لقوله عزوجل مخاطباً إبراهيم الخليل عليه السلام: "إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً".
"... فالإمام هاد يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه، فالإمامة بحسب الباطن نحو ولاية [أي نصرة] للناس في أعمالهم وهدايتها – يعني هداية الإمامة للناس تعني – إيصالها إياهم إلى المطلوب بأمر الله دون مجرد إراءة الطريق الذي هو شأن النبي والرسول وكل مؤمن يهدي إلى الله سبحانه بالنصح والموعظة الحسنة".
أيها الإخوة والأخوات، والفرق المتقدم تشير إليه عدة من النصوص الشريفة منها قول الله تبارك وتعالى مخاطباً نبيه الأكرم – صلى الله عليه وآله – في الآية السابعة من سورة الرعد "إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ".
فقد روي في تفسير مجمع البيان عن إبن عباس قال: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله – صلى الله عليه وآله - : أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي يا علي بك يهتدي المهتدون.
وروي في كتاب (كمال الدين) وكتاب بصائر الدرجات مسنداً عن الإمام الباقر – عليه السلام – أنه قال في تفسير هذه الآية: "المنذر رسول الله – صلى الله عليه وآله – وعلي الهادي، وفي كل زمان إمام منا يهديهم إلى ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله".
وقال – عليه السلام – في حديث آخر مروي في كتابي الغيبة للشيخ النعماني وبصائر الدرجات للشيخ الصفار وغيرها في تفسير الآية الكريمة المتقدمة: "رسول الله – صلى الله عليه وآله – المنذر وعلي الهادي، والله ما ذهبت – يعني هذه الآية – منا وما زالت فينا إلى يوم القيامة".
وهنا يتضح أيها الأفاضل فرق آخر بين النبوة والإمامة هو أن النبوة ختمت بسيد الرسل – صلى الله عليه وآله – في حين أن الإمامة مستمرة ليوم القيامة إذ أن لكل قوم هاد.
وخلاصة ما تقدم هي أن الإمامة منصب إلهي مهمته الأولى هي الهداية بالإرادة التكوينية بمعنى إعانة الخلق والأخذ بأيديهم للوصول إلى الحق بأمر الله عزوجل فهي مستمرة إلى يوم القيامة.
وبهذه الخلاصة نختم لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. دمتم بألف خير وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة