السلام عليكم، مستمعينا الأطائب ورحمة الله..
طابت أوقاتكم بكل ما تحبون وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج، نبدأ فيه – بعون الله عزوجل – بتناول الأسئلة المرتبطة بالإمامة بعد أن إنتهينا من الأسئلة الخاصة بالنبوة العامة وكذلك نبوة سيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم المصطفى – صلى الله عليه وآله - .
وأول سؤال يتبادر هو عن معنى الإمامة الإلهية وما الفرق بينها وبين النبوة؟
نتوجه إلى ثقلي الهداية الربانية عن الإجابة؛ فتابعونا على بركة الله.
أيها الأكارم، ننطلق من آية في كتاب الله المجيد ذكرت فيها النبوة والإمامة معاً فيما يرتبط بشيخ الأنبياء، إبراهيم الخليل على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام، وهي قوله عزوجل في الآية ۱۲٤ من سورة البقرة؛
"وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ".
الإمام في اللغة – مستمعينا الأفاضل – هو إسم لمن يؤتم به في أقواله وأفعاله أي يقتدى به وهو يشمل أئمة الكفر والضلالة وأئمة الحق والهدى وقد إستخدم في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة بهذا المعنى العام الذي يشمل كلا الطائفتين من الأئمة.
وواضح أن المقصود في الآية الكريمة المتقدم هو الإمام الحق المنصوب من الله عزوجل وإمامته هي التي تعد من أصول الدين الحق.
وأول ما نستفيده من هذه الآية أن الإمامة هي "عَهْدَ اللَّهِ" وهذا العهد يجعله الله فيمن يشاء شريطة أن لا يكون من الظالمين.
ولأن الآية الكريمة إستخدمت لفظة "الظَّالِمِينَ" على نحو الإطلاق غير المقيد بأي قيد، لذلك نستفيد أن الإمام الذي يختاره الله لعهد الإمامة الإلهية يجب أن يكون معصوماً بالعصمة المطلقة.
مستمعينا الأكارم، والمستفاد بوضوح من هذه الآية الكريمة أن الله جلت حكمته قد إختار خليله إبراهيم – عليه السلام – للإمامة وتحمل هذا العهد الإلهي بعد النبوة.
أجل، فهذا واضح أولاً من طلب إبراهيم الخليل أن تكون الإمامة في ذريته ومن الثابت قرآنياً أنه – عليه السلام – رزق الذرية في أواخر عمره الشريف، وهذا ما تصرح به عدة من الآيات الكريمة إذ تذكر أن الله وهب إبراهيم إسماعيل أولاً ثم إسحاق وهو شيخ كبير وطبق قانون الإعجاز الإلهي فيما يرتبط بإسحاق لأن أمه سارة – عليها السلام – كانت عجوزاً عقيم حسب التعبير القرآني.
وقد لفت أئمة أهل البيت المحمدي – عليه السلام – أنظار المؤمنين إلى هذه الحقيقة القرآنية في أحاديث عدة منها ما روي في كتاب (عيون أخبار الرضا) عنه – عليه السلام – أنه قال: "إن الإمامة خص الله عزوجل بها إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وآله بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال عزوجل "إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً" فقال الخليل عليه السلام [ومن ذريتي] فقال الله عزوجل [لا ينال عهدي الظالمين] فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة".
وروي في أصول الكافي عن إمامنا الصادق – عليه السلام – قال: "إن الله تبارك وتعالى إتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً، وإن الله إتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً وإن الله قد إتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً وإن الله إتخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً، فلما جمع له هذه الأشياء – يعني العبودية والنبوة والرسالة والخلة – قال "إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً" ثم قال الإمام الصادق – عليه السلام: فمن عظمها – أي الإمامة – في عين إبراهيم عليه السلام قال: ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين.. قال لا يكون السفيه إمام التقي".
أيها الأطائب، ونعود معاً إلى الآية الكريمة، فنجد من التدبر فيها أن إختيار الله عزوجل خليله إبراهيم لمنصب الإمامة جاء بعد أن إبتلاه بكلمات فأتمهن، فما معنى ذلك؟
مهما كان مصداق الكلمات المرادة في هذه الآية، فإن المستفاد منها بوضوح أنها كانت كلمات إلهية إبتلى بها الله عزوجل خليله إبراهيم – عليه السلام – لكي يؤهله لمنصب الإمامة الكبرى وتحمل العهد الإلهي، فهي وسائل يؤدي إتمامهن – أي التحقق بالحقائق التوحيدية التي تتضمنها وتدعو إليها إلى أن يصبح الإنسان متخلقاً بأخلاق الله عزوجل في جميع أقواله وأفعاله لكي يكون بذلك قدوة معصومة بالكامل يؤتم بها في جميع الأقوال والأفعال.
هذا أولاً، وثانياً فإن إتمام هذه الكلمات يجهز العبد الصالح بما يحتاجه لتحمل العهد الإلهي الخاص المتمثل بالإمامة الإلهية.
كما نلاحظ أن الآية الكريمة تتحدث عن حوار بين الله تبارك وتعالى وخليله إبراهيم على نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام وهذا دليل إضافي على تلقيه الوحي الإلهي وبالتالي على كونه نبياً، أي أن الله إختاره للنبوة بعد الإمامة.
أيها الأخوات والإخوة، والذي نخلص إليه مما تقدم أن القرآن الكريم صريح بأن الإمامة هي أولاً عهد إلهي يختار الله عزوجل من شاء له شريطة أن يكون معصوماً بالعصمة المطلقة.
وهي مقام غير مقام النبوة والرسالة ولكن يمكن أن تجتمع معهما أو مع أحدهما ويمكن أن لا تجتمع لأن إبراهيم – عليه السلام – قد طلبها لذريته وهم ليسوا جميعاً أنبياء، فلم يخصصها الله بالأنبياء وإنما أجاب بأنها لا تكون للظالمين.
وبهذه النتيجة البينة ننهي حلقة اليوم من برنامجكم أسئلتنا وأجوبة الثقلين إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، نشكر لكم أيها الأطائب طيب المتابعة ودمتم بألف خير.