سلامٌ من الله عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج نسعى فيه بعون الله للحصول على إجابة الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة عن سؤالٍ مهم هو:
هل أنّ كل حبّ للدنيا أمرٌ مذمومٌ ويكون رأس كل خطيئة كما ورد في الأحاديث الشريفة، أم إنّ حب الدنيا يمكن أن يكون أمراً ممدوحاً؟
لنرى ما الذي يجيبنا به الثقلان، وهما منارا الهداية، تابعونا على بركة الله.
أيها الأحبة نقرأ في كتاب الله المجيد قوله، تبارك وتعالى، في الآية ۱٤۸ من سورة آل عمران: "فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".
وفي الآية ۱۳٤ من سورة النساء يقول عز من قائل "مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا".
ونقرأ في الآيات ۲۰۰۲۰۲ من سورة البقرة قوله جل جلاله: "… فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ * وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ".
أيها الإخوة والأخوات نستفيد من هذه الآيات الكريمة وآيات أخرى حملت مضامين مشابهة أن الله تبارك وتعالى يرضى لعباده أن يطلبوا (حسنة الدنيا) مثلما يطلبوا حسنة الآخرة.
وما كان حسنة وثواباً من الله فهو محبوب، سواءً كان دنيوياً أو أخروياً.
والأحاديث الشريفة تبين لنا أن ما يحب العبد من الدنيا لله عزّ وجل ولكونه نعمة إلهية فيها صلاحه فحبه له حبٌ لله وللآخرة، وليس من حب الدنيا المذموم.
روي عن رسول الله _صلى الله عليه وآله_ أنه قال: "ليس من حب الدنيا طلب ما يصلحك".
وروي عن ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: إنا لنحب الدنيا! فقال لي: تصنع بها ماذا؟ قلت: أتزوج منها وأحج وانفق على عيالي وأنيل إخواني وأتصدق، فقال لي عليه السلام: ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة.
أما ما كان حباً للدنيا، إيثاراً لها على الآخرة وعبودية لها، فهو المذموم الذي حذرتنا منه كثيراً من الأحاديث نقرأ لكم بعضها بعد قليل، فتابعونا مشكورين.
روي عن أئمة العترة المحمدية عليهم السلام في الحديث القدسي أن الله تبارك وتعالى قال لداود النبي على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام:
"يا داود، إحذر القلوب المعلقة بشهوات الدنيا فإن عقولها محجوبة عني".
وعن مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام قال: "من غلبت الدنيا عليه عمي عما بين يديه".
وقال عليه السلام أيضاً: "إرفض الدنيا، فإن حب الدنيا يعمي ويصم ويبكم ويذل الرقاب".
وقال عليه السلام أيضاً: "إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماشٍ بينهما، كلما قرب من واحدٍ بعد من الآخر وهما بعد ضرتان".
إن التقوى، مستمعينا الكرام، هي التي تزيل العداء بين الدنيا والآخرة وتجعل الدنيا عوناً للآخرة، قال الله تبارك وتعالى في الآية ۳۰ من سورة النحل المباركة: "وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ".
وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: "إعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركوا أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبرون ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح، أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم وتيقنوا أنهم جيران الله غداً في آخرتهم، لاترد لهم دعوة ولاينقص لهم نصيب من لذة".
وقال عليه السلام أيضاً: "عليكم بتقوى الله فإنها تجمع الخير ولا خير غيرها، ويدرك بها من الخير ما لايدرك بغيرها من خير الدنيا وخير الآخرة".
وقال إمامنا الكاظم – عليه السلام: "إجعلوا لانفسكم حظاً من الدنيا بإعطاها ما تشتهي من الحلال وما لايثلم المرؤة وما لا سرف فيه، وإستعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه".
أحباءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، نشكر لكم طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين).
تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعايته سالمين.