سلام من الله عليكم أحبتنا ورحمة الله أطيب تحية، نهديها لكم ونحن نلتقيكم في حلقة اليوم من برنامجكم هذا. نسعى معا في هذا اللقاء لإستجلاء ما يقوله الثقلان كتاب الله وأهل بيت النبوة _عليهم السلام_ في الإجابة عن أحد الأسئلة المصيرية هو: ما هي حقيقة عالم الدنيا الذي نعيش فيه؟
السؤال مهم وتشكل الإجابة عنه أحد أركان الرؤية الكونية السليمة التي تفتح أمام الإنسان آفاق الحياة الكريمة والسعادة الحقيقية.
سعيا للحصول على إجابة سؤالنا نتدبر أولا أيها الأعزاء في الآيتين ۲٤ و۲٥ من سورة يونس حيث يقول عز من قائل: "إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" ونتدبر أيضا في الآية السبعين من سورة القصص حيث يقول أرحم الراحمين "وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ".
وكذلك في الآية السابعة والسبعين من السورة نفسها حيث يقول تبارك وتعالي "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" ونقرأ أيضا قوله جل جلاله في الآية ۳۹ من سورة غافر"إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَار".
ونتأمل أيضا في الآية ۳۰ من سورة النحل حيث يقول عز من قائل: "وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ".
وقد روي عن الإمام الباقر – عليه السلام – في قوله تعالى "وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ" قال: "هي الدنيا".
مستمعينا الأفاضل، المستفاد من الآيات الكريمة المتقدمة أن الحياة الدنيا هي نعمة من نعم الله على العباد. فهي كالماء المنزل إلى السماء وقد جعل الله بالماء كل شيء حي، فهي نعمة يحمد الله عليها. ولكن الآخرة هي دار القرار والدنيا هي دار متاع ونصيب الإنسان منها أن يبتغي بها دار الآخرة ولايفسد فيها. فإذا فعل ذلك كانت له نعم دار المتقين.
ونسعى للحصول على تفصيلات هذه الإجابة من عدل القرآن الكريم ومفسروه الصادقون محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، تابعونا مشكورين.
قال مولانا الإمام علي – عليه السلام – عن الدنيا: "ولنعم دارمن لم يرض بها دارا ومحل من لم يوطنها محلا".
وقال – عليه السلام –: "بالدنيا تحرز الآخرة" وروي عن إمامنا الباقر – عليه السلام – قال: "نعم العون الدنيا على الآخرة". وقال إمامنا الباقر – عليه السلام –: "كان فيما ناجى الله موسى – عليه السلام –: هي دار الظالمين إلا العامل فيها بالخير فإنها له نعمت الدار".
وروى أئمة العترة المحمدية عن جدهم المصطفى – صلى الله عليه وآله – قال: "الدنيا مزرعة الآخرة"وقال وصيه المرتضى – عليه السلام –: "الدنيا مزرعة الخير والشر".
وقال – عليه السلام –: "إن الله سبحانه فقد جعل الدنيا لما بعدها وابتلى فيها أهلها ليعلم أيهم أحسن عملا، ولسنا للدنيا خلقنا". وقال – عليه السلام – أيضا: "الدنيا خلقت لغيرها ولم تخلق لنفسها".
وقال – عليه السلام –: "أخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم ففيها أختبرتم ولغيرها خلقتم"
وروي عن الإمام الصادق – عليه السلام – قال: "قال لقمان لابنه: خذ من الدنيا بلاغا ولاترفضها فتكون عيالا على الناس ولاتدخل فيها دخولا يضر بآخرتك"
وكان من دعاء إمامنا الصادق في دعاء زيارته لجده الحسين – عليهما السلام –: "اللهم.. ولاتشغلني عن ذكرك بإكثار علي من الدنيا تلهيني عجائب بهجتها وتفتني زهرات زينتها، ولا بأقلال يضر بعملي كده ويملأ صدري همه، أعطني من ذلك [أي من الدنيا] غنى عن أشرار خلقك وبلاغا أنال به رضاك".
وأخيرا نفتح قلوبنا لقول حبيبنا المصطفى – صلى الله عليه وآله – حيث أوصى أجيال الناس إلى يوم القيامة: "فليتزود العبد من دنياه لآخرته، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، فإن الدنيا خلقت لكم وأنتم خلقتم للآخرة".
إذن أعزائنا المستمعين فالدنيا هي نعمة خلقها الله لنا لكي نتزود فيها بالأعمال الصالحة التي نبني بها آخرتنا وهي الحياة الخالدة ودار المقام.
وهنا يثار هذا السؤال:"إذن لماذا كل هذا الذم للدنيا في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة"؟
الإجابة عن هذا السؤال نسعى معا للبحث عنها في الحلقة المقبلة من برنامجكم(أسئلتنا وأجوبة الثقلين) بمشيئة الله.
فكونوا معنا أعزائنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران؛ شكرا لكم وفي أمان الله.