بسم الله وبالله والحمد لله على نعمه لا سيما نعمة الهدى والإيمان، ثم أزكى الصلوات وأتم التسليم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأهلاً بكم في حلقة أخرى من برنامجكم "نهج الحياة" حيث سنشرع فيها تفسير سورة الواقعة المباركة، حيث اشتق اسمها من الكلمة الواردة في مطلعها، وهي كلمة تدل على حتمية الوقوع..
أيها الأكارم أما الآن ندعوكم للاستماع الى تلاوة الآيات الأولى حتى السادسة من سورة الواقعة المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم... إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ{1} لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ{2} خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ{3} إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً{4} وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً{5} فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً{6}
أيها الأفاضل، للخفض والرفع معنيان متعاكسان، أولهما يدل على التوجيه أو الدفع إلى الأسفل، والثاني عكسه. و"الرج" هو الهز الشديد الذي يكاد يقلع الشيء من مكانه. والـ "بسّ" هو الفتّ أي طحن الشيء وجعله ناعماً، و"الهباء" هو التراب الناعم كالذي يرى في الهواء عند سطوع الشمس من نافذة أو كوّة ، و"المنبث" يعني المنتشر.
وتشير هذه الآيات الى أن الأمور المحسومة والمقطوعة التحقق والوقوع، يمكن التعبير عنها بصيغة الفعل الماضي وذلك كما رأى أحدنا السيل قادماً نحو قرية أو مدينة، فإنه يمكنه القول، ولو قبل وصول السيل إليها: (جرف السيل المدينة).
وجاء عن الإمام السجاد عليه السلام أنه قال: من لم يتعزّ بعزاء الله تقعطت نفسه على الدنيا حسرات، والله ما الدنيا والآخرة إلا ككفّتي ميزان فأيهما رجح ذهب بالآخر، ثم تلا قوله تعالى: "إذا وقعت الواقعة... إلى... خافضة رافعة" يعني القيامة ليس لوقعتها كاذبة خافضة والله بأعداء الله في النار، رافعة والله أولياء الله الى الجنة.
ومما نستقيه من هذه الآيات المباركة أولاً: لا شك في وقوع يوم القيامة، والزلازل العظيمة التي تحدث قبيله ويستعمل الفعل الماضي مع (إذا) للإشارة إلى أمور لم تقع ولكنها محققة الوقوع.
ثانياً: على الإنسان أن يغتنم الفرصة ويؤمن بيوم القيامة، في الدنيا، وأما مع اقتراب ذلك اليوم فلا يبقى مجال إلا للخجل والندم.
وثالثاً: يوم القيامة هو يوم تجلي الحقائق على حقيقتها.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات السابعة حتى السادسة عشرة من سورة الواقعة المباركة..
وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً{7} فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ{8} وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ{9} وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{12} ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ{14} عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ{15} مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ{16}
"الميمنة" أيها الأكارم، من اليمن بمعنى البركة والسعادة، و"المشأمة" من الشؤم وهو الشقاء، ويرى بعض المفسرين أن المراد من هاتين الكلمتين هو الجهتان اليمين واليسار؛ وقد صنف البشر يوم القيامة، على أساس الجهة التي يؤتى أحدهم كتابه بها، فأهل الجنة يؤتون كتابهم بيمينهم بخلاف أهل النار. وقيل إن الشام واليمن سميتا بهذين الاسمين بالنظر إلى موقعهما من الكعبة.
والقرب في قوله تعالى (اولئك المقربون) هو قرب المنزلة والدرجة وليس قرب المكان. والقرب من الله لا يكون بالادعاء والتمني، بل يكون بالعمل واتباع المنهج.
كما تشير الآيات الى أن في تقسيم الناس إلى ثلاث فئات، ذكر الله عزوجل السابقين أخيراً؛ وربما كان ذلك لقلة عددهم، وأما عندما كان السياق سياق الثناء وتبجيل، فقد ذكرهم أولاً، ثم ذكر أصحاب اليمين وألحقهم بغيرهم، وربما كان ذلك من باب الاحترام والتقدير.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: الحشر والحضور بين يدي الله يوم القيامة، أمر محتوم إلى درجة تسمح بالتعبير عنه بصيغة الماضي.
ثانياً: من الأساليب المناسبة للدعوة والتبليغ، ذكر إجمال الفكرة ثم الشروع في تفصيلها.
ثالثاً: السبق إلى الإيمان وعمل الخيرات من الأعمال القيمة.
رابعاً: المقام المعنوي مقدم وأكثر أهمية من النعم والرفاه، فقد تحدثت الآيات عن القرب أولاً، ثم بدأت بالحديث عن الجنة ونعيمها.
خامساً: ينبغي أن نحفظ ذكر المتقدمين والسابقين المؤسسين للسنن الصالحة، ولا ننساهم.
وسادساً: من آداب الضيافة كون مكان الضيف ومحل استضافته مريحاً.
إخوتنا الأفاضل، بهذا وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" آملين أن قد نالت رضاكم فحتى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام خير ختام.