الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن عناصر الصادقين اللامعة هو رجل الوفاء والامانة والصدق الشهيد البطل مسلم بن عوسجة الاسدي الكوفي رحمه الله وهو من شهداء الطف عام 61 ﻫ.
مسلم بن عوسجة لعب دوراً رائداً يوم عاشوراء وكان لفقده الاثر البالغ عند ابي عبد الله الحسين(ع) فقد خرج مسلم بن عوسجة بكل شجاعة وهاجم الجيش الاموي وهو يردد اراجيزه:
ان تسألوا عني فأن ذولبد
من فرع قوم من ذرى بني اسد
فمن بغاني حائد عن الرشد
وكافر بدين جبار صمد
قاتل مسلم بن عوسجة ببسالة حتى سقط في المعركة صريعاً فتقدم الحسين(ع) لمصرعه وكان مسلم بن عوسجة يعالج سكرات الموت فدنى منه الحسين قائلاً: "رحمك الله يا مسلم واردف يقول فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، اللهم اجعل الجنة لنا ولهم نزلاً".
تقول السير ان حبيب بن مظاهر كان صديق حميم لمسلم بن عوسجة فتقدم اليه قائلاً: يا مسلم ابشر بالجنة عزّ عليّ مصرعك، فاجابه مسلم بن عوسجة بصوت خافت: بشرك الله يا حبيب وانبرى هنا حبيب قائلاً: يا مسلم لو لا اني اعلم اني على اثرك لا حببت ان توصي اليّ بما يهمك، وهنا نسمع الجواب وكلا الحالتين تنتهيان بنتيجة واحدة وهو عالم الوفاء والمحبة العلمية لآل البيت فيقول: يا مسلم لو لا اني اعلم اني على اثرك لا حببت ان توصي اليّ بما يهمك، وهنا عهد اليه مسلم بأعز واخلص ما عنده قائلاً: اوصيك بهذا الغريب واشار الى عبد الله الحسين وكانت هذه الكلمات آخر ما تلفظ به مسلم بن عوسجة ولقد كانت هذه هي العظمة حقاً بما تحمل من معاني السمو والشرف لدى اصحاب ابي عبد الله الحسين، لقد كان كل واحد منهم يمثل شرف الانسانية في جميع عصورها ومواطنها وهذا في الواقع هو الوفاء الذي ينبض بالايمان الذي لا حدّ له فلم يفكر مسلم بن عوسجة في تلك اللحظة العصيبة لا بنفسه ولا بأهله او بأي شأن من شئون الدنيا وانما استوعب وجدانه ومشاعره للحسين(ع) فقد اخلص في حبه ونصرته حتى النفس الاخير من حياته.
تنفس معسكر ابن سعد بمقتل هذا البطل، احسوا بلحظة استعادة الانفاس بمقتل البطل العظيم فكان القادة الامويون يتباشرون وهذه منتهى الدنانة والخسة وهو ينادون في شماتة ظاهرة قتلنا مسلماً وثقل ذلك على احد طواغيتهم وهو شبث بن ربعي لانه كان يعرف حقيقة مسلم بن عوسجة، فلما شاهدهم يتباشرون وعلى انه منهم فخاطب من حوله بتأثر: شكلتكم امهاتكم انما تقتلون انفسكم بايديكم وتذلون انفسكم لغيركم، اتفرحون بقتل مثل مسلم بن عوسجة اما والذي اسلمت له لرب موقف له قد رأيته في المسلمين، ثم اخذ يمجد ويذكر بعض خواطره واستشهد بهذا الموقف فقال: "لقد رأيته يوم كذا باذربايجان وقد قتل جمعاً من المشركين افيقتل مثل هذا وانتم تفرحون؟" ويل لمن كفرهم نمرود كما يقولون لان هذا من قوادهم.
ان اولئك الممسوخين الذين قتلوا هذا البطل العظيم انما قتلوا نفوسهم، انما قتلوا تاريخهم، الحقوا العار بجبابهم، مسلم بن عوسجة قتل دفاعاً عن مصالحهم وحقوقهم التي استهترت بها السلطة الامية والتي استباحت الحرمات كلها.
يذكر المؤرخون ان مسلم بن عوسجة هذا البطل اودى بهجومه على بني امية بحياة مجموعة من صناديدهم واختيار العينات التي كان لها الثقل السياسي والعسكري في الجيش الاموي وكان ينتقي في ضرباته ان لا يترك النبلة او الرمية تخطأ هدفها او تذهب الى اناس لا قيمة لهم انما كان يختار العينات التي هي من رؤوس الشر وعناصر الباطل، المؤرخين يتكلمون عن عناصرهم الشريرة مثل عبد الله الضبابي، عبد الرحمن بن ابي خشكارة البجلي هذان وامثالهما ارداهما مسلم بن عوسجة وكان موقفاً مشهوداً ولذلك شعر الحسين(ع) بألم كبير لمصرع مسلم بن عوسجة بعدما ابّنه وكرّ راجعاً صوب المخيم سمع صوت جارية لمسلم بن عوسجة تنعاه بعدما علمت باستشهاده صارخة يابن عوسجتاه، ولنعم ما قال هذا الشاعر:
بابي من شروا لقاء حسين
بفراق النفوس والارواح
فوقوه بيض الضبا بالخور
البيض والنبل بالوجوه الصباح
ادركوا بالحسين اكبر عيد
فغدوا في منى الطفوف اضاحي
وهو يحمي دين النبي بعضب
بسناه لظلمة الشرك ماحي
هذه لمحة عابرة وعاجلة عن شهيد ترك بصماته في تاريخ التضحيات والفداء.
جادوا بأنفسهم عن نفس سيدهم
والجود بالنفس اقصى غاية الجود
فالصلاة والسلام على مسلم بن عوسجة وعلى جميع شهداء الاسلام سابقاً ولاحقاً والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******