الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الانبياء وخاتم المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
جاء في التاريخ ان عبد الله بن مبارك قال: حججت بعض السنين الى مكه فبينما انا سائر ضمن الحجيج واذا صبي سباعي او ثماني اي في السابعة او الثامنة من عمره وهو يسير من ناحية من الحاج من دون زاد ولا راحلة فتقدمت اليه وسلمت عليه وقلت له: مع من قطعت البر؟ اين زميلك في السفر؟ ومن هو مرافقك في هذه الرحلة الشاقة؟ قال: مع البار وقصد الباري سبحانه وتعالى، فان صفات الله البار بعباده فكبر في عيني بقول عبد الله بن مبارك كبر هذا الشخص في عيني فقلت له: يا ولدي اين زادك وراحلتك؟ فقال: زادي تقواي وراحلتي رجلاي وقصدي مولاي، فعظم في نفسي فقلت: يا ولدي ممن تكون؟ فقال: مطلبي اي من ابناء عبدالمطلب وذلك الرجل العظيم، فقلت: أبن لي، قال: هاشمي فقلت ابن واوضح لي اكثر، فقال: علوي فاطمي اي من اولاد علي وفاطمة، فقلت: يا سيدي هل قلت شيئاً من الشعر؟ فقال ذلك الشاب: نعم فقلت: انشدي شيئاً من شعرك فانشد قائلاً:
لنحن على الحوض روّاده
نذوذ ونسقي ورّاده
وما فاز من فاز الا بنا
وما خاب من حبنا زاده
ومن كان غاصبنا حقنا
فيوم القيامة ميعاده
ثم غاب عن عيني وفقدته بين الحجاج الكثيرين الا ان اتيت مكة كذلك يواصل عبد الله بم مبارك يقول: غاب عني بين الحجيج الا ان اتيت الى مكة فقضيت حجتي ورجعت فأتيت الا بطح فاذا بحلقة مستديرة، الابطح خارج مكة فاذا بحلقة مستديرة فاطلعت لا نظر من بها والناس بمن يحيطون فاذا هو صاحبي ذلك الشاب الذي دار بيني وبينه ذلك الحوار، فسألت عنه وعن شخصيته فقيل: هذا زين العابدين.
اجل هذا هو زين العابدين في سيرته وهذا بعض رؤاه وهذا بعض ما يمكن ان نستفيد منه من الدروس الكبيرة.
اولاً الدرس الذي نستفيد من هذه القصة يتلخص بتواضع الامام وهو حفيد عبد المطلب وهو هاشمي وهو علوي فاطمي وهو زين الهابدين انه بسير بين الحجيج بتواضع وخضوع وخشوع لله بحيث لا يمتاز عن الاخرين ولا يعرف الا ان يسأل، واذا يسأل يحاول ان لا يعرف نفسه تعريفاً كاملاً حتى بوليه الناس احتراماً زائداً واحتراماً كبيراً فيميزون به بيته وبين الحجيج في طريق الحج وهو في طريق السفر الى الله سبحانه وتعالى.
حقاً ان هذا تواضعاً عظيم يعلمنا كيف يتعامل مع ربنا ونحن في طريق العبادة في طريق الوصول اليه ونحن في طريق الدين ونحن في طريق الكمال والسير نحو الكمال في طريق الله، هكذا يجب ان نتواضع هكذا يجب ان نكون ثم لما يسأل عن زاده وعن راحلته وعن مقصده نجد ان الامام لا يجيب بالجواب العادي الذي شأن الناس العاديين فلا هو يهتم بالراحلة على الشكل الذي يتصور الناس ولا يهتم بالزاد والاكل والطعام على نحو الذي يراه الناس يعطي ذلك الشخص درساً عظيماً حيث يقول زادي تقواي وراحلتي رجلاي وقصدي مولاي ان الزاد العظيم ايها السائل وانت في هذا الجو جو العبادة والسير الى الله ان الزاد الذي ينبغي ان تفكر فيه هو الزاد الحقيقي الاصلي وهو التقوى ان تسأل عن الزاد الذي هو بمعنى الاكل والشرب وما شاكل ذلك وهذا ما لا يليق بك ان تفكر فيه في هذا الجو في جو الذهاب الى الله في جو السفر الى الحق تعالى.
ان الذي يجب ان تفكر فيه ايها الاخ وانت في طريق الحج او انت في شهر رمضان او انت في المواسم الدينية هو التقوى فهو خير زاد زادي تقواي وراحلتي رجلاي وما اعظم المعنى في هذه الكلمة وهي الراحلة اي الدابة والوسيلة التي توصلك الى القرب الالهي والتي توصلك الى الحق ليس هي الوسائل والادوات العادية المؤلوفة والمؤنوسة عند الناس انما هي ارادتك شخصاً هي المشيئة اقصد هي عزمك على السير نحو الله والوصول الى الله والقرب عند الحق فقال لهذا راحلتي رجلاي ونفهم هذا المعنى من هذه الكلمة عندما يردف الامام(ع) هذه العبارة وهذه الجملة بجملة جميلة رائعة اذ يقول: "وفصدي مولاي" حينما يكون قصدي مولاي وهو الحق تعالى هكذا تكون راحلتي وهكذا وهذا يكون زادي انني بالتقوى وبارادتي وبعزمي على السير الى الله استطيع ان احقق قصدي وهو الوصول الى الحق تعالى والقرب عنده.
واما الدرس الاخر الذي نجده في هذه القصة العظيمة هو ان اهل البيت(ع) علماء حلماء عظام وكبار في العلم والمعرفة والادب والتواضع وهم ائمة وهم قادة وان كانوا صغار السن وان كانوا في مرحلة الشباب وفي مرحلة الصبا الم يقل الباري سبحانه وتعالى عن يحيى "واتيناه الحكم صبيا" نعم لم يكن هذا مختصاً بالامام زين العابدين فكل اهل البيت(ع) كانوا في صغرهم وفي السنين الاولى من عمرهم على هذا النحو من القوة في الشخصية ومن العظمة في المعرفة ومن البصيرة ومن الرؤية الواضحة الناصعة لذلك لانهم حجج الله على العباد ذلك لان الله سبحانه وتعالى اختارهم ليكونوا مرشدين للبشرية ومن اختاره الله سبحانه وتعالى فانه يزودهم بالعلم والمعرفة والملكات العظيمة والكمالات الكبيرة وهذا ما نجده في هذه القصة وفي عشرات القصص المروية حول اهل البيت(ع)، فذاك جدهم علي(ع) وهو من صباه يعرف ربه ويكون من المسارعين الى قبول الرسالة المحمدية ايمانه واسلامه في الحق تعالى وهو عشر سنين اي في العقد الاول من عمره ويجاهد في سبيل الله وهو في ذلك السن اي في العقد الثاني ويضحي في سبيل الله في جميع حياته كما يفعل ذلك عندما كان صبياً حينما كان ناشئاً، هذا ان دلّ على شئ يدل على ان الائمة(ع)وان اهل البيت(ع) ليسوا كبقية الناس في الكمال وفي الجانب الفكري الروحي وفي الامور التي زودهم الله سبحانه وتعالى من البصيرة والفهم والدرك.
وفقنا الله لاتباع سيرتهم والمشي خلفهم ووراءهم لنفوز بخير الدنيا وخير الآخرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******