جاء الجــــــــــوادُ فلا أهلاً بمقدمهِ *** إلا بوجهِ حسينٍ مدرك الثارِ
يا نفس صبراً على الدنيا ومحنتها *** هذا الحسينُ قتيلٌ بالعرا عارِ
وقالت أيضاً وهي تنظر إلى تلك الأجساد الطاهرة:
على الطفِّ الســــــــلام وســـاكنيه *** وروح الله في تلك القبــــــابِ
نفوسٌ قدِّســـــــت في الأرضِ قدساً *** وقد خُلقت من النطفِ العذابِ
مضــــــاجعُ فتيةٍ عــــــــبدوا فناموا *** هجــوداً في الفدافدِ والروابي
علتهـــــم في مضاجِـــــــعهم كعابٌ *** بأردانٍ مـنــــــــــعمةٍ رطابِ
وصيّــــــــــرتِ القبورُ لهم قصوراً *** منــــــــاخاً ذات أفنيةٍ رحابِ
وقالت (عليها السلام) لما رأت رأس الحسين وهو يشرق بنور النبوة هذين البيتين الذين يعدان قمة في الرقة والحزن:
يا هلالاً لمـــــا استـــــــــتمّ كمالا *** غالــــــه خسفُه فأبدى غُروبا
ما توهّمـــــــتُ يا شقيـــق فؤادي *** كـــان هذا مـــــــقدّراً مكتوبا
وقالت تخاطب الجيش الأموي الذي باء بغضبٍ من اللهِ جراء فعلته النكراء:
أتشهّـــــــــــــرونا في البرية عنوة *** ووالدنــــــــــــــا أوحى إليه جليلُ
كفرتــــم بربِّ العـــــــرشِ ثم نبيهِ *** كأنّ لم يجئــكم في الزمانِ رسولُ
لحاكمْ إلهُ العـــــــــرشِ يا شرَّ أمةٍ *** لكم في لظى يوم المعـــــادِ عويلُ
ولما بلغ السبي النبوي إلى المدينة خاطبت السيدة زينب المدينة قائلة:
مديــــــــــــــــــــنة جدِّنا لا تقبلينا *** فبالحســــــــراتِ والأحزانِ جينا
خرجنا منك بالأهلـــــــــــينِ جمعاً *** رجعــــــــــــنا لا رجالَ ولابنينا
وكنا في الخروج بجمـــــــع شملٍ *** رجعنا حاســــــــــــريـن مسلبينا
وكنا في أمــــــــــــــانِ اللهِ جهراً *** رجعنا بالقطيــــــــــــــعة خائفينا
ومولانا الحسيـــــــــــن لنا انيسٌ *** رجعنا والحسيــــــــــنُ به رهينا
فنحن الضائعــــــــــات بلا كفيلٍ *** ونحنُ النائحـــــــــات على أخينا
ونحن الســـــائرات على المطايا *** نُشال على جمـــــــالِ المُبغضينا
بهذه الحرقة الممزوجة بالحزن والأسى تطلق السيدة زينب الكبرى هذه النفثة الممزوجة بالأسى وهي ترى رأس أخيها على الرمح وتتكفل سبايا آل محمد يطاف بهن من بلد إلى بلد وهن ربائب الوحي وحرائر النبوة.
وقالت السيدة أم كلثوم بنت الامام علي (عليهما السلام):
قتلتم أخي ظــلماً فويل لأمكم *** ستُجزَونَ ناراً حرُّها يتوقدُ
قتلتم أخي ثم استبحتم حريمه *** وأنهبتم الأموالَ واللهُ يشهدُ
سفكتم دماءً حــرّم الله سفكها *** وحرَّمـــها القرآنُ ثم محمدُ
وقالت السيدة الرباب ترثي زوجها الامام الحسين (ع):
وا حسينا فلا نسيتُ حسينا *** أقصــــــــــدته أسنةُ الأعداءِ
غادروه بكربلاء صريــعاً *** لا سقى الغيثُ جانبي كربلاء
وقالت أيضاً:
إن الذي كان نوراً يُستضـاءُ بهِ *** بكربلاء قتيـــــلاً غير مدفونِ
سبطُ النبي جزاكَ الله صالـــحةً *** عنّا وجُنبت خسرانَ الموازينِ
قد كنتَ لي جبلاً صلداً ألوذُ بـه *** وكنتَ تصحبُنا بالرحمِ والدينِ
من لليتامى ومن للسائلين ومن *** يغني ويأوي إليـــه كل مسكينِ
والله لا أبتغي صهراً بصهركمُ *** حتى أوسّد بين اللــحدِ والطينِ
وقالت فاطمة بنت الامام الحسين (عليها السلام) أيضاً بعد خطبتها في الكوفة:
أيقتل ظمــــــــــــــآناً حسين بكربلا *** ومن نحره البيضُ الصقالُ لها وردُ
وتضحي كريماتُ الحسينِ حواسراً *** يلاحظها في سيرِهـــــا الحرُ والعبدُ
فياله من رزءٍ عظيــــــــــمٍ مصابه *** يشق الحشــــــــــــا منه ويلتدمُ الخدُ
وقالت السيدة سكينة بنت الإمام الحسين (عليها السلام):
لا تعذليـــــــه فهمٌّ قاطعٌ طرقه *** فعينه بدمــــــــــــــوعِ ذرّفٍ غدِقه
إن الحسين غداة الطفِ يرشقه *** ريب المنونِ فما أن يخطئ الحدقه
بكفِ شرِّ عبــــــــــادِ اللهِ كلهم *** نسلِ البغايا وجـــيشِ الورّدِ الفسقه
وقالت السيدة أم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية تندب أولادها العباس واخوته:
لا تدعـــوني ويكِ أم البنين *** تذكريــــــــــني بليوث العـرينِ
كانت بنــون لـي أدعى بهم *** واليوم أصبـــحتُ ولا من بنين
أربعة مثـــــل نسور الرُبى *** قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصـانُ أشلاءهم *** فكّلهم أمسى صــــــريعاً طعينْ
يا ليت شعري أكما أخبروا *** بأنّ عباساً قطيـــــــــــع الوتين
وقال السيد محسن الأمين: خرجت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين ومعها أخواتها، أم هاني وأسماء ورملة وزينب بنات عقيل تبكي قتلاها بالطف وتقول:
ماذا تقولـــــونَ إن قالَ الـنبيُّ لكم *** ماذا فعلــــــــــــــتم وأنتمْ آخرُ الأممِ
بعترتي وبأهلي بعـــــــــد مفتقدي *** منهم أســــارى ومـنهم ضُرِّجوا بدمِ
ما كان هذا جزائي إذ نصحتُ لكم *** أن تخلفوني بسـوءٍ في ذوي رحمي
ضيَّـــــــــــــعتمُ حقّنا والله أوجــبه *** وقد رعى الفيـلُ حقَّ البيتِ والحرمِ
إني لأخشى عليــــكمْ أن يحلَّ بكمْ *** مثلُ العــذابِ الذي يأتي على الأممِ
وكذلك ندبت "أسماء بنت عقيل بن ابي طالب" الامام الحسين (عليه السلام) في أبيات، حيث روى المفيد وابن شهرآشوب أنه لما قتل الحسين (ع) خرجت أسماء بنت عقيل بن أبي طالب تنوح وتقول:
ماذا تقـولــــــون إن قــالَ النبيُّ لكم: *** يومَ الحسابِ وصدقُ القولِ مسموعُ
خذلتمُ عترتـــــــي أو كنتـــــــمُ غيباً *** والحقُّ عندَ وليِّ الأمرِ مجـــمـــوعُ
أسلمتموهــم بأيدي الظالميــــــن فما *** منكمْ له اليـــــــوم عند اللهِ مشفــوعُ
ما كان عند غداة الطـفِّ إذ حضروا *** تلك المنايا ولا عنهنَّ مــــــــدفــوعُ
والسيدة أسماء هذه هي زوجة عمر ابن الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
كما ندبت السيدة "فاطمة بنت عقيل" شهداء الطف، ومنهم آل عقيل، وقد حددتهم بأنّهم سبعة، وستة من آل علي وأشارت إلى ذلك بقولها:
عين ابكي بعبرةٍ وعـويل *** واندبي إنْ ندبتِ آلَ الرسولِ
ستة كلّهم لصــــلبِ عليٍّ *** قد أصـــــيبوا وسبعة لعقيلِ
وروي أنه كانت نائحة اسمها (درة) وكانت من صالحات نساء المسلمين، رأت في منامها فاطمة الزهراء وفي حجرها رأس رجل يشخب دماً وهي تقول:
أيها العينـــانِ فيضا *** واستهـــــلّا لا تغيضا
وابكيــا بالطفِّ ميتاً *** تركَ الصدرَ رضيضا
لم أُمرِّضه قتيـــــلاً *** لا ولا كــــان مريضا
يستشف القارئ إن هذه الأبيات صادرة عن قلبٍ ملتاع الزفرات ملتهب العبرات، وقد دلت صورها المؤثرة ومعانيها الأليمة على أن صاحبتها كانت من أشد المفجوعات بحادثة الطف, وكانت تعيش حالة المأساة حيث يبدو التحسّر واللوعة والحزن العميق في ثنايا الكلمات.