جولة ولي العهد السعودي الإقليمية إلي الأردن ومصر وتركيا، والكشف عن المحادثات السرية بين محمد بن سلمان والمسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين للكيان الصهيوني في الأيام الأخيرة، وزيارة ملك الأردن عبد الله الثاني المفاجئة إلى الإمارات، والزيارة المهمة لمستشار الأمن الداخلي للكيان الصهيوني إلى الأردن بعد فترة طويلة من العلاقات المتوترة بين الجانبين بسبب تصاعد العدوان الصهيوني على القدس في الأشهر الأخيرة، وزيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى مصر لأول مرة منذ أزمة الحصار عام 2017، واجتماع شرم الشيخ الأسبوع الماضي في مصر بحضور ملكي البحرين والأردن، وكشف موقع "سعودي ليكس" عن عقد أكثر من خمسة لقاءات سرية حول السعودية، يشير جميعها إلى أن قادة المنطقة يستعدون لعصر جديد بعد زيارة بايدن.
وفيما نقلت وسائل الإعلام الأمريكية منذ فترة طويلة عن مسؤولين أمريكيين قولهم، إن دفع قضيتي التطبيع والطاقة سيكون محور زيارة بايدن للمنطقة، وقال السفير الأمريكي في الأراضي المحتلة، توماس نيدز، في مقابلة مع "إسرائيل هيوم" الخميس الماضي، إن الولايات المتحدة ستدفع حلفاءها في المنطقة لبناء وتوسيع "إطار أمني إقليمي" خلال زيارة بايدن للمنطقة، تشير تصريحات العاهل الأردني الأخيرة حول دعم تشكيل "ناتو شرق أوسطي"، إلى وجود صلة بين هذه التحركات السياسية والدبلوماسية مع أهداف التحالف العربي الصهيوني ضد محور المقاومة.
كما كشفت القناة الصهيونية الرسمية (كان) في تقرير، أن إسرائيل والولايات المتحدة وعدة دول خليجية صاغت وثيقةً لتأسيس "تحالف استراتيجي إقليمي" في الشرق الأوسط قبل ثلاث سنوات من اتفاقية التطبيع لعام 2020، والآن يبدو أن الجهود المبذولة لإنشاء مثل هذا التحالف كسياسة استراتيجية في حكومة بايدن تتم متابعتها أيضًا.
إن وضع الأساس لحفظ مصالح الولايات المتحدة في الخليج الفارسي مع بدء العملية التدريجية للانسحاب الحتمي من المنطقة، من خلال نقل عبء الالتزامات العسكرية والأمنية إلى الحلفاء، والتعامل مع القوة المتزايدة لمحور المقاومة، وفي الاتجاه نفسه إقامة جدار أمني للكيان الصهيوني في المنطقة على نفقة العرب، لإدغام الوجود غير الشرعي والاحتلالي لإسرائيل في جغرافية المنطقة من أجل خلق فسحة تنفس لهذا الكيان، إضافة إلى جهود البيت الأبيض لإبقاء الصهاينة والحكومة السعودية راضيين عن سياسات بايدن الإقليمية، وخاصةً بالنظر إلي حاجة واشنطن إلى إقناع الرياض بزيادة إنتاج النفط بشكل كبير في الأسابيع والأشهر المقبلة من أجل كبح الارتفاع الهائل في أسعار الوقود، تمثِّل الأهداف والدوافع الرئيسية لحكومة الولايات المتحدة في تشكيل مثل هذا التحالف.
من جهة أخرى، فإن الصهاينة أيضًا الذين تعرضوا في السنوات الأخيرة لضغوط شديدة من الحزام الأمني الذي تقوده المقاومة من غزة إلى سوريا ولبنان، وبعد التعاون الاستراتيجي بين أطراف محور المقاومة، أصبحت البيئة الأمنية للكيان أكثر هشاشةً من ذي قبل (مثل حيازة حماس وحزب الله لتكنولوجيا بناء جيل جديد من الصواريخ الدقيقة وطائرات المراقبة دون طيار والانتحارية)، يمكنهم أن يأملوا بنقل بعض أعباء المشاكل الأمنية والإنفاق العسكري على العرب، ويسيطروا من ناحية أخرى على الأزمات الداخلية والخارجية من خلال خلق مجال تنفس سياسي واقتصادي وجيوسياسي، وحتى استخدام المجال الإقليمي للمناطق العربية في الخليج الفارسي لضرب مصالح إيران.
ومع ذلك، فإن التحالف العسكري الأمني مع الكيان الصهيوني تحت اسم الناتو العربي أو أي اسم آخر، لن يكون فعالاً لحماية المصالح الأمنية والدفاعية للدول العربية لأنه تحالف غير متجانس وغير عملي، كما أن التعاون العسكري والاستخباراتي والأمني الشامل للتحالف السعودي الإماراتي مع الصهاينة في حرب اليمن، لم يحقق شيئًا يمنع هزيمة هذا التحالف.
ثانياً، يتطلب تشكيل أنظمة الأمن الجماعي والتقارب الأمني مستوىً عالياً من التماسك والتفاهم بين الأعضاء المكونين لتلك الأنظمة، حول التهديدات الأمنية وسبل التعامل معها.
في الواقع، يعتبر دخول الدول في معاهدة دفاع مشتركة، الخطوة الأخيرة نحو التقارب الأمني. وهذا يعني أن الدول ربما تكون قد حددت مستوىً من العلاقات الأمنية والعسكرية، ولكن الدخول في معاهدة دفاع مشتركة يعني أن جميع أعضاء المعاهدة لديهم تعريف مشترك "للتهديد"، ونوع التهديد الذي قد يواجهونه.
في الوقت نفسه، لا يوجد حاليًا تفاهم كامل بين دول مجلس التعاون حول تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، وإجراءات الكيان في سوريا ولبنان وفلسطين وعرقلة البرنامج النووي الإيراني.
وثالثًا، يشكل هذا التحالف مخاطر أمنية واسعة النطاق على الأمن الإقليمي ودون الإقليمي (الخليج الفارسي)، نتيجة المواجهة المتزايدة بين الجمهورية الإسلامية وتل أبيب، ومن المؤكد أن تداعيات هذه الاستفزازات الأمريكية الصهيونية السعودية، ستصيب البلدان الأصغر في مجلس التعاون والاستقرار الإقليمي بشكل عام.
إن التجربة الفاشلة لهزيمة الناتو في حربي أفغانستان والعراق، فضلاً عن خلق المخاطر الأمنية لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي عقب القيادة الأمريكية لمنظمة حلف شمال الأطلسي، تشير إلى التكرار الحتمي لمصير أولئك الذين وقعوا في حفرة الأزمات الأمنية والعسكرية والإقليمية، للحكومات التي تستخدم إملاءات البيت الأبيض لمعالجة مشاكلهم الخارجية.
المصدر : موقع الوقت