ويكشف عالم الأحياء العصبية جيرهارد روث عن العوامل التي لها تأثير على مرونة النفس اللازمة لمواجهة الصدمات، لافتًا في حوار له مع مجلة ”فوكوس“ الألمانية، عن أن اختبارات الدم واللعاب تقدم بالفعل دليلًا على مدى قدرة الشخص على مقاومة الأزمات.
وكشفت أزمات الإغلاق والحجر الصحي الخاصة بوباء كورونا، وما صاحبها من أزمات اقتصادية واجتماعية لا حصر لها، أن الكثير من الأفراد غير قادرين على مواجهة الصدمات، وأن ثباتهم النفسي يكاد يكون متلاشيًا.
وسجلت تقارير طبية عالمية تعرض شرائح ضخمة من الناس لاضطرابات اكتئاب أو أرق أو ما بعد الصدمة على خلفية تفشي وباء كورونا، ناهيك بدخول العالم على أزمة اقتصادية عامة، في وقت اكتشف فيه كثيرون أنهم لا يملكون آليات مواجهة تلك الأزمات والصدمات، ليبدأ الجميع في البحث عن السبب أو سر هشاشة الإنسان نفسيًا إلى هذا الحد.
ويعتبر جيرهارد روث أحد علماء الأحياء العصبية الرائدين في ألمانيا والعالم، وقد ترأس لفترة طويلة معهد أبحاث الدماغ في جامعة بريمن.
وفي عام 2016 أسس أيضًا ””معهد روث“، وقد نشر روث حوالي 220 مقالة حول موضوعات علم الأعصاب وفلسفة الأعصاب وكتب العديد من الكتب – بما في ذلك مؤلفه ”حول الناس“ ، الذي نشر في عام 2021.
وحسب روث فإن مسألة ما إذا كان شخص ما مرنًا للأزمات مثل كورونا أو المطبات المالية أو غيرها أم لا، إنما ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسنوات الأولى من حياته والوقت الذي سبقه.
وتابع ”أساسيات المرونة، وتحديدًا المرونة النفسية، تتأثر إلى حد كبير قبل الولادة بجيناتنا وعوامل التحكم في الجينات، أو ما يسمى epigens. فتلعب تأثيرات دماغ الأم الحامل على دماغ الطفل الذي لم يولد بعد دورًا، تمامًا كما تفعل تجارب التعلق المبكرة مع الوالدين أو الشخصيات الأخرى المرتبطة، مثل الأجداد أو العمات أو الأعمام أو الأشقاء الأكبر سنًا أو أعضاء الحضانة“.
ويمكن أن تتضرر أنظمة معالجة الإجهاد والتهدئة الذاتية في وقت مبكر جدًا في الدماغ ، على سبيل المثال من قبل الأم المصابة بصدمة والتي ينقل دماغها إشارات الصدمة إلى دماغ الطفل الذي لم يولد بعد.
وكلما تقدم الإنسان في السن، قل تأثير تجربتنا أو بيئتنا على قدرتنا على الصمود، وبالطبع ”يعتمد أيضًا الأمر على مدى الضرر الذي حدث بالفعل أو التطورات غير المرغوب فيها، وكلما زادت شدة هذا الضرر، زادت صعوبة علاجه“، وفق روث.
وقد أثبتت التجارب المؤلمة للأم أثناء الحمل أنها سلبية بشكل خاص لتنمية المرونة النفسية، كما أنه وبعد الولادة وفي السنوات القليلة الأولى من الحياة، يكون للإهمال وسوء المعاملة تأثير سلبي شديد.
وينصح روث، بأنه إذا وجد مقدمو الرعاية – ومعظمهم من الآباء – أن الطفل الصغير يعاني من مزاج صعب ومن المحتمل أن يكون لديه القليل من المرونة النفسية، على سبيل المثال ”طفل يبكي“ ، فيمكنهم اتخاذ تدابير خاصة تحت إشراف طبيب أطفال أو معالج نفسي للأطفال الصغار لتغيير هذا السلوك، وهو ما قد يساعدهم وبشدة في ألا يفقدون مزاجهم الصعب ومن ثم لا يظهرون، كمراهقين أو بالغين اضطرابات القلق والاكتئاب والرهاب وغيرها، بينما يمكن فعل القليل أو لا شيء حيال ذلك لاحقًا في مرحلة البلوغ.
وعن طرق وأنواع العلاجات المتوفرة لزيادة المرونة النفسية، يقول روث: ”يمكن تقوية الموارد النفسية الموجودة لدى الأشخاص الذين لا يثقون في قوتهم. أي يتم توجيههم لتقليل المخاوف من بعض التحديات، وخاصة الخوف من الفشل، من خلال مقارنة هذه المخاوف بشكل منهجي مع التجارب أو الأفكار الإيجابية“.
وبمساعدة إجراءات التصوير وفحوصات الدم أو اللعاب الخاصة لدى المراهقين والبالغين، أصبح من الممكن الآن تحديد هياكل الدماغ والوظائف النفسية المقابلة لها والتي تعاني عجزًا في النمو، مما يؤدي بعد ذلك إلى تقليل المرونة.