البث المباشر

طب الرضا (1)

الأربعاء 12 إبريل 2006 - 00:00 بتوقيت طهران
طب الرضا (1)

إذاعة طهران- طب الرضا: القسم الأول

أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى التلعكبرى (۱) رضى الله عنه، قال حدثنا محمد بن همام (۲) بن سهيل (۳) رحمة الله عليه، قال حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور (٤)، قال حدثني ابي (٥)، وكان عالماً بأبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهما، خاصاً به، ملازماً لخدمته، وكان معه حين حمل من المدينة الى المأمون (٦) الى خراسان (۷)، واستشهد عليه السلام بطوس (۸) وهو ابن تسع وأربعين سنة.
قال: كان المأمون بنيسابور (۹)، وفي مجلسه سيدي أبو الحسن الرضا عليه السلام وجماعة من الفلاسفة والمتطببين، مثل: يوحنا بن ماسويه (۱۰)، وجبرائيل بن يختيشوع (۱۱)، وصالح بن بهلمة الهندي (۱۲)، وغيرهم من متحلى العلوم، وذو البحث والنظر.
فجرى ذكر الطب، وما فيه صلاح الاجسام وقوامها، فاغرق المأمون ومن كان بحضرته في الكلام، وتغلغلوا في علم ذلك، وكيف ركب الله تعالى هذا الجسد، وجمع فيه هذه الاشياء المتضادة من الطبائع الاربع، ومضار الاغذية ومنافعها، وما يلحق الاجسام من مضارها من العلل.
قال: وابو الحسن عليه السلام ساكت لا يتكلم في شيء من ذلك، فقال له المأمون: ما تقول يا أبا الحسن في هذا الامر الذي نحن فيه منذ اليوم ؟ فقد كبر علي، وهو الذي لابد منه، ومعرفة هذه الاغذية النافع منها والضار، وتدبير الجسد.
فقال له ابو الحسن عليه السلام: عندي من ذلك ما جربته، وعرفت صحته، بالاختبار ومرور الايام، مع ما وقفني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الانسان جهله، ولا يعذر في تركه. وانا أجمع ذلك لامير المؤمنين (۱۳)، مع ما يقاربه مما يحتاج الى معرفته.
قال: وعاجل المأمون الخروج الى بلخ (۱٤)، وتخلف عنه أبو الحسن عليه السلام، فكتب المأمون اليه كتاباً يتنجز ما كان ذكره له، مما يحتاج الى معرفته على ما سمعه وجربه (من الاطعمة، والاشربه) (۱٥)، وأخذ الادوية، والفصد (۱٦)، والحجامة (۱۷)، والسواك، والحمام، والنورة، والتدبير في ذلك. فكتب اليه أبو الحسن عليه السلام كتاباً هذه نسخته (۱۸):
بسم الله الرحمن الرحيم
اعتصمت بالله اما بعد: فانه وصل كتاب امير المؤمنين فيما أمرني به من توقيفه على ما يحتاج اليه، مما جربته، وسمعته في الاطعمة، والاشربة، وأخذ الادوية، والفصد، والحجامة، والحمام، والنورة، والباه وغير ذلك مما يدبر استقامة امر الجسد به.
وقد فسرت (لامير المؤمنين) (۱۹) ما يحتاج اليه، وشرحت له ما يعمل عليه من تدبير مطعمه، ومشربه، واخذه الدواء، وفصده، وحجامته وباهه، وغير ذلك مما يحتاج اليه في سياسة جسمه. وبالله التوفيق (۲۰).

*******
(اعلم يا أمير المؤمنين) (۲۱) ان الله عز وجل لم يبتل البدن بداء حتى جعل له دواء يعالج به، ولكل صنف من الء صنف من الدواء، وتدبير ونعت. وذلك ان هذه الاجسام اسست على مثال الملك.
فملك الجسد هو (ما في) (۲۲) القلب. والعمال العروق في الاوصال (۲۳) (والدماغ. وبيت الملك قلبه) (۲٤) وارضه الجسد. والاعوان يداه، ورجلاه، وعيناه، وشفتاه، ولسانه، واذناه (۲٥). وخزائنه معدته، وبطنه، وحجابه وصدره.
فاليدان عونان يقربان، ويبعدان ويعملان على ما يوحى اليها الملك. (والرجلان ينقلان الملك) (۲٦) حيث يشاء. والعينان يدلانه على ما يغيب عنه، لان الملك وراء حجاب لا يوصل اليه الا باذن وهما سراجاه ايضاً.
وحصن الجسد وحرزه الاذنان. لا يدخلان على الملك الا ما يوافقه، لانهما لا يقدران ان يدخلا شيئاً حتى يوحى الملك اليهما اطرق الملك منصتاً لهما حتى يعى منهما ثم يجيب بما يريد (ناداً منه) (۲۷) ريح الفؤاد وبخار المعدة، ومعونة الشفتين.
وليس للشفتين قوة الا بانشاء اللسان (۲۸). وليس يستغني بعضها عن بعض. والكلام لا يحسن الا بترجيعه في الانف، لان الانف يزين الكلام، كما يزين النافخ المزمار.
(وكذلك المنخران هما ثقبا الانف، والانف يدخل على الملك) (۲۹) مما يحب من الروائح الطيبة. فاذا جاء ريح يسوء أوحى الملك الى اليدين فحجبت بين الملك وبين تلك الروائح.
وللملك مع هذا ثواب وعذاب: فعذابه أشد من عذاب الملوك الظاهرة القادرة في الدنيا. وثوابه افضل من ثوابها. فأما عذابه فالحزن. واما ثوابه فالفرح. واصل الحزن في الطحال، واصل الفرح في الثرب (۳۰) والكليتين. وفيهما عرقان موصلان في الوجه، فمن هناك يظهر الفرح والحزن، فترى تباشيرهما في الوجه وهذه العروق كلها طرق من العمال الى الملك (۳۱) ومن الملك الى العمال.
وتصديق ذلك: اذا تناول الدواء ادته العروق الى موضع الداء.
واعلم (يا أمير المؤمنين) (۳۲) ان الجسد بمنزلة الارض الطيبة الخراب ان تعوهدت بالعمارة والسقى من حيث لا تزداد من الماء فتغرق، ولا تنقص منه فتعطش دامت عمارتها وكثر ريعها، وزكا زرعها. وان تغافلت عنها فسدت ونبت فيها العشب. والجسد بهذه المنزلة والتدبير في الاغذية والاشربة (۳۳)، يصلح ويصح، وتزكوا العافية فيه.
*******


(۱) ذكره الشيخ النجاشي «قدس سره» حيث قال: هارون بن موسى ابن أحمد بن سعيد، أبو محمد التلعكبري من بني شيبان، كان وجهاً في أصحابنا ثقة، معتمداً، لا يطعن عليه، له كتاب الجوامع في علوم الدين، كنت أحضره في داره مع ابن له، أبي جعفر والناس يقرؤن عليه. أنظر رجال النجاشي ص: ۳٤۳.
وقال الشيخ الطوسي «قدس سره»: جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، روى جميع الاصول والمصنفات. مات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. أنظر رجال الطوسي ص: ٥۱٦.
والتلعكبري: نسبة الى تل عكبرا، بضم العين عند عكبرا. والظاهر أنه قد كان محلة منها. أنظر مراصد الاطلاع ۱|۲۷۱.
(۲) في (ب) هشام.
(۳) في الاصل سهل، والصواب ما أثبتناه. قال النجاشي في رجاله ص۲۹٤: محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الاسكافي، شيخ أصحابنا ومتقدمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث. وقال الشيخ الطوسي في رجاله ص٤۹٤، يكنى أبا علي وهمام يكنى أبا بكر، جليل القدر، ثقة روى عنه التلعكبري وسمع منه أولا سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وله منه اجازة، ومات سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
وقال الشيخ النجاشي في المصدر السابق: مات أبو علي بن همام يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة بقيت من جمادي الاخرة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وكان مولده يوم الاثنين لست خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائتين.
(٤) قال الشيخ النجاشي في رجال ص٤۹: الحسن بن محمد بن جمهور العمّي، أبو محمد. بصري، ثقة في نفسه، ينسب الى بني العم من تميم.
(٥) قال الشيخ النجاشي في رجاله ص۲٦۰ في ترجمة محمد بن جمهور: روى عن الرضا عليه السلام، وله كتب: كتاب الملاحم الكبير، كتاب نوادر الحج، كتاب أدب العلم، أخبرنا محمد بن علي الكاتب قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا علي بن الحسين الهذلي المسعودي قال: لقيت حسن بن محمد بن جمهور فقال لي: حدثني أبي محمد بن جمهور وهو ابن مائة وعشرين سنة.
(٦) في (ب) ان سار.
(۷) خراسان: بلاد واسعة أول حدودها مما يلي العراق أزاذورد قصبة جوين وبهيق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان. أنظر مراصد الاطلاع ۱|٤٥٥.
(۸) طوس: بالضم، مدينة بينها وبين نيسابور عشرة فراسخ، تشتمل على بلدتين يقال لاحداهما الطابران، والاخرى نوقان، وبهما أكثر من ألف قرية، وبها قبر الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام وهارون الرشيد. أنظر المصدر السابق ۲|۸۹۷.
(۹) نيسابور: بفتح اوله وتسمى نشاوور ايضاً. مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة خرج منها جماعة من العلماء، وبينها وبين مرو الشاهجان ثلاثون فرسخاً. انظر المصدر السابق ۳|۱٤۱۱.
(۱۰) هو أبو زكريا يوحنا بن ماسويه، مسيحي المذهب، سرياني، قلده الرشيد ترجمة الكتب القديمة الطبية مما وجد بانقرة، وعمورية، وبلاد الروم حين سباها المسلمون. ووضعه أميناً على الترجمة. وخدم هارون الرشيد والامين والمأمون. وبقي على ذلك الى ايام المتوكل. وكان معظماً ببغداد، جليل القدر، وجعله المأمون في سنة ۲۱٥ رئيساً لبيت الحكمة. انظر ابن النديم في الفهرست ص۲۹٥، وابن جلجل في طبقات الاطباء ص٦٥.
(۱۱) جبرائيل بن بختيشوع بن جورجيس بن بختيشوع الجند يسابوري، كان طبيباً حاذقاً، وكان طبيب الرشيد وجليسه وخليله، ويقال: ان منزلته مازالت تقوى عند الرشيد حتى قال لاصحابه: من كانت له حاجة الي فليخاطب بها جبرائيل، فاني أفعل كل ما يسألني في كل امورهم. ولما توفي الرشيد خدم الامين والمأمون الى أن توفي، ودفن في دير مارجرجس بالمدائن سنة ۲۱۳ هـ. انظر ابن جلجل في طبقات الاطباء ص٦٤ والقفطي في اخبار العلماء ص۹۳.
(۱۲) في (ب) سلهمه. وهو خطأ. ذكره ابن أبي اصيبعة في عيون الانباء في طبقات الاطباء ۳|٥۲، من علماء الهند، كان خبيراً بالمعالجات التي لهم، وله قوة وانذارات في تقدمة المعرفة. كان بالعراق في ايام الرشيد، وله نادرة مع الرشيد في شفاء ابن عمه ابراهيم بن صالح بعد أن غسّل وحنّط وكفن.
(۱۳) ليس في (ب).
(۱٤) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان من أجل ولاياتها وأشهرها ذكراً، واكثرها خيراً. انظر مراصد الاطلاع ۱|۲۱۷.
(۱٥)زيادة من (ب).
(۱٦) الفصد: قال الشيخ الرئيس ابن سينا: هو استفراغ كلي يستفرغ الكثرة. والكثرة هي تزايد الاخلاط على تساويها في العروق. القانون ۱|۲۰٤.
(۱۷) الحجامة: كالفصد، وهو شق العرق واخراج الدم منه، لكنها تختلف عن الفصد بأنها تؤخذ من صغار العروق. المصدر السابق ۱|۲۱۲.
(۱۸) اختصت المقدمة المذكورة في نسخة الاصل ونسخة (ب) من نسخنا التي اعتمدناها في التحقيق.
(۱۹) في (ب) له.
(۲۰) كذا في الاصل ونسخة (ب) اما في نسخة (ج) فأولها بعد البسملة النص التالي: «قال الامام عزة وجه الانام مظهر الغموض بالرؤية اللامعة كاشف رموز الجفر والجامعة، أقضى من قضى من بعد جده المصطفى وأغزى من غزى بعد أبيه علي المرتضى امام الجن والانس السلطان علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه وعلى آبائه وأولاده النجباء الكرام ان الله تعالى...الخ».
أما نسخة (د) فأولها بعد البسملة: «الرسالة الذهبية في الطب بعث بها الامام علي بن موسى الرضا ما نسخة (د) فأولها بعد البسملة: «الرسالة الذهبية في الطب بعث بها الامام علي بن موسى الرضاب عليه السلام الى المأمون العباسي في صحة المزاج وتدبيره بالاغذية والاشربة والادوية. قال امام الانام عز وجه الاسلام مظهر الغموض... الى آخر النص السابق الذكر كما في نسخة (ج). (۲۱) ليست في (ج). وفي (ب) اعلم ان الله.
(۲۲) الزيادة من (ج و د).
(۲۳) في (ب وج ود) والاوصال. والمراد بالاوصال: هي مفاصل البدن وما يصير سبباً لوصلها، فان بها تتم الحركات المختلفة من القيام والقعود وتحريك الاعضاء.
(۲٤) في الاصل (والدماغ بيت الملك). وما أثبتناه هو الصواب كما في (ب وج ود).
(۲٥) الزيادة من (ب وج ود). وهو الصواب. كما سيأتي لهما ذكر في فوائد الاعضاء.
(۲٦) ليست في نسخة (د).
(۲۷) في (ب وج ود) بأدوات كثيرة منها.
(۲۸) في (ج ود) الا بالاسنان.
(۲۹) الزيادة ليست في (د).
(۳۰) الثرب: جسم شحمي يحيط بالمعدة والامعاء وغيرهما، مؤلف من طبقتين غشائيتين يحللها شحم لين وشظايا صغار من الاوردة والشرايين، وهو يبتدئ من فم المعدة وينتهي الى القولون. التلويح ص۸۷.
(۳۱) في الاصل (العمال). والصواب ما اثبتناه كما في (ب وج ود).
(۳۲) في (ج) أيها الامير. وقد وردت كذلك في كل موضع فيه كلمة أمير المؤمنين في هذه الرسالة.
(۳۳) الزيادة من (ب وج ود).

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة