واعلم يا أمير المؤمنين: ان المسافر ينبغي له ان يحترز في الحر ان يسافر وهو ممتلئ من الطعام، او خالي الجوف. وليكن على حد الاعتدال وليتناول من الاغذية اذا اراد الحركة (۱٦۱)، الاغذية الباردة مثل القريص (۱٦۲)، والهلام (۱٦۳)، والخل، والزيت (۱٦٤)، وماء الحصرم (۱٦٥)، ونحو ذلك من البوادر (۱٦٦).
واعلم يا أمير المؤمنين. ان السير الشديد في الحر ضار للاجسام الملهوسة (۱٦۷)، اذا كانت خالية من الطعام وهو نافع للابدان الخصبة.
فاما اصلاح المياه للمسافر، ودفع الاذى عنها، هو ان لا يشرب المسافر من كل منزل يرده، الا بعد ان يمزجه بماء المنزل الاول الذي قبله. او بشراب واحد غير مختلف فيشوبه بالمياه على اختلافها (۱٦۸).
والواجب ان يتزود المسافر من تربة بلده، وطينه (۱٦۹)، فكلما دخل منزلا طرح في انائه الذي يكون فيه الماء شيئاً من الطين (۱۷۰) (ويمات فيه فانه يرده الى مائه المعتاد به بمخالطته الطين) (۱۷۱).
وخير المياه شرباً للمقيم والمسافر ما كان ينبوعها من المشرق نبعاً ابيضاً. وافضل المياه التي تجري من بين مشرق الشمس الصيفي ومغرب الشمس الصيفي.
وافضلها واصحها اذا كانت بهذا الوصف الذي ينبع منه، وكانت تجري في جبال الطين لانها تكون حارة في الشتاء، باردة في الصيف، ملينة للبطن، نافعة لاصحاب الحرارات (۱۷۲).
واما المياه المالحة الثقيلة، فانها تيبس البطن، ومياه الثلوج والجليد رديئة للاجسام، كثيرة الاضرار بها.
واما مياه الجب، فانها خفيفة، عذبة، صافية، نافعة جداً للاجسام اذا لم يطل خزنها وحبسها في الارض.
وأما مياه البطائح (۱۷۳) والسباخ (۱۷٤)، فحارة غليظة في الصيف لركودها ودوام طلوع الشمس عليها. وقد تولد لمن داوم على شربها المرة الصفراء وتعظم اطحلتهم (۱۷٥).
وقد وصفت لك يا أمير المؤمنين فيما بعد (۱۷٦) من كتابي هذا ما فيه كفاية لمن أخذ به، وانا ذاكر من امر (۱۷۷) الجماع (ما هو صلاح الجسد وقوامه بالطعام والشراب، وفساده بهما، فان اصلحته بهما صلح، وان افسدته بهما فسد) (۱۷۸).
*******
وأعلم يا أمير المؤمنين ان قوى النفس تابعة لمزاجات الابدان ومزاجات الابدان تابعة لتصرف الهواء. فاذا برد مرة، وسخن اخرى، تغيرت بسببه الابدان والصور (۱۷۹).
(فاذا استوى الهواء، واعتدل. صار الجسم معتدلاً) (۱۸۰) لان الله عز وجل بنى الاجسام على اربع طبائع: على الدم (۱۸۱)، والبلغم (۱۸۲)، والصفراء (۱۸۳)، والسوداء (۱۸٤).
فاثنان: حاران، واثنان: باردان، وخولف بينهما فجعل: حار يابس، وحار لين، وبارد يابس، وبارد لين (۱۸٥).
ثم فرق ذلك على اربعة اجزاء من الجسد: على الرأس، والصدر والشراسيف، واسفل البطن.
واعلم يا أمير المؤمنين ان الرأس، والاذنين، والعينين والمنخرين، والانف، والفم من الدم. وان الصدر من البلغم والريح. وان الشراسيف من المرة الصفراء (وان اسفل البطن من المرة السوداء) (۱۸٦).
*******
واعلم يا أمير المؤمنين ان النوم (۱۸۷) سلطانه في الدماغ، وهو قوام الجسد وقوته.
واذا اردت النوم، فليكن اضطجاعك اولاً على شقك الايمن، ثم انقلب على شقك الايسر. وكذلك فقم من مضطجعك على شقك الايمن كما بدأت به عند نومك.
وعود نفسك من القعود (بالليل مثل ثلث ما تنام، فاذا بقى) (۱۸۸) من الليل ساعتين، فادخل الخلاء لحاجة الانسان. والبث فيه بقدر ما تقضى حاجتك، ولا تطيل فان ذلك يورث (الداء الدفين) (۱۸۹).
واعلم يا أمير المؤمنين ان خير ما استكت به (الاشياء المقبضة التي تكون لها ماء) (۱۹۰)، فانه يجلو الاسنان، ويطيب النكهة، ويشد اللثة ويسمنها، وهو نافع من الحفر، اذا كان ذلك باعتدال، والاكثار منه يرق الاسنان ويزعزعها، ويضعف اصولها.
فمن اراد حفظ اسنانه فليأخذ قرن أيل محرق (۱۹۱)، وكز مازج (۱۹۲) وسعد (۱۹۳)، وورد (۱۹٤)، وسنبل الطيب (۱۹٥)، اجراء بالسوية (۱۹٦)، وملح اندراني (۱۹۷) ربع جزء (فخذ كل جزء منها، فتدق وحده وتستك) (۱۹۸) به فانه ممسك للاسنان (۱۹۹).
ومن اراد ان يبيض اسنانه فلياخذ جزء ملح اندراني وجزء من زبد البحر (۲۰۰) بالسوية، يسحقان جميعاً ويستن بهما.
واعلم يا أمير المؤمنين: ان احوال الانسان التي بناه الله تعالى عليها وجعله متصرفاً بها اربعة احوال:
الحالة الاولى: لخمس عشرة سنة، وفيها شبابه، وصباه، وحسنه، وبهاؤه، وسلطان الدم في جسمه.
والحالة الثانية: لعشرين سنة. من خمس عشرة الى خمس وثلاثين سنة، وفيهما سلطان المرة الصفراء، وغلبتها، وهو اقوم ما يكون، وايقظه والعبه. فلا يزال كذلك حتى يستوفي خمس وثلاثين سنة.
(ثم يدخل في) (۲۰۱) الحالة الثالثة: وهي من خمس وثلاثين سنة الى ان يستوفي ستين سنة، فيكون في سلطان المرة (۲۰۲) السوداء (ويكون احكم ما يكون، واقوله، وادراه، واكتمه للسر، واحسنه نظراً في الامور وفكراً في عواقبها، ومداراة لها، وتصرفاً فيها) (۲۰۳).
ثم يدخل في الحالة الرابعة: وهي سلطان البلغم، وهي الحالة التي لا يتحول منها ما بقى (وقد دخل في الهرم حينئذ، وفاته الشباب، واستنكر كل شيء كان يعرفه من نفسه، حتى صار) (۲۰٤) ينام عند القوم، ويسهر عند النوم ويذكر ما تقدم، وينسي ما تحدث به، ويكثر من حديث النفس، ويذهب ماء الجسم وبهاؤه، ويقل نبات اظفاره وشعره، ولا يزال جسمه في ادبار وانعكاس ماعاش، لانه في سلطان البلغم، وهو بارد جامد. (فلجموده ورطوبته في طباعه يكون فناء جسمه) (۲۰٥).
*******
(۱٦۱) ليس في (ب وج ود).
(۱٦۲) القريص: غذاء يطبخ من اللحوم اللطيفة كلحم السمك، والفرخ، مع الخل أو الحموضات.
(۱٦۳) الهلام: طعام من لحم العجل بجلده، أو مرق السكباج المبرد المصفى من الدهن. انظر القاموس ٤|۱۹۱. وفي الجامع لمفردات الادوية ۱|۱۰٦. هو مرق لحم البقر المبرد المصفى عن دسمه.
(۱٦٤) في الاصل التزيت. وما أثبتناه من (ب وج ود).
(۱٦٥) الحصرم: هو غض العنب مادام اخضراً.
(۱٦٦) انظر القانون ۱|۱۸٤. والتلويح ص۱۷۷.
(۱٦۷) في الاصل المهلوسة. وما أثبتناه كما في (ج ود). قال في القاموس ۲|۲٥۰: «اللواهس: الخفاف السراع».
(۱٦۸) قال الشيخ الرئيس في القانون ۱|۱۸۷: ومن التدبير الجيد لمن سافر في المياه المختلفة ان يستصحب من ماء بلده فيمزج به الماء الذي يليه. ويأخذ من ماء كل منزل للمنزل الذي يليه.
(۱٦۹) في (ب وج ود) وطينته التي ربي عليها.
(۱۷۰) قال الشيخ الرئيس في القانون ۱|۱۸۷: «ومن التدبير الجيد للمسافر ان يستصحب طين بلده وخلطه بكل ما يطرأ عليه، وخضخضه فيه ثم يتركه حتى يصفوا». وقال الخجندي في التلويح ص۱۷۷: ومن التدبير الجيد لمن سافر في المياه المختلفة ان يستصحب من ماء بلده أو طين بلده فيصلح بهما ماءه:
(۱۷۱) في (ب وج ود) الذي يورده من بلده. ويشرب الماء والطين في الانية بالتحريك، ويؤخر قبل شربه حتى يصفو صفاءاً جيداً.
(۱۷۲) قال الخجندي في التلويح: وأفضل المياه مياه العيون الجارية على الاراضي الطينية المنحدرة من مواضع عالية، لاسيما الغمرة المكشوفة التي تبعد منابعها، ويخف وزنها، ويجري نحو المشرق الصيفي والشمال.
(۱۷۳) البطائح، جمع بطحاء. مسيل واسع فيه دقاق الحصى. القاموس ۱|۲۱٦.
(۱۷٤) السباخ: جمع سبخه. أي الارض ذات الملح والنز. القاموس ۱|۲٦۱.
(۱۷٥) انظر القانون ۱|۳٦۳.
(۱۷٦) في (ب وج ود). تقدم.
(۱۷۷) زيادة من (ج ود).
(۱۷۸) ليس في (ج ود).
(۱۷۹) انظر القانون ۱|۸۰ ـ ۸۷.
(۱۸۰) في (ب وج ود): فاذا كان الهواء معتدلاً اعتدلت أمزجة الابدان وصلحت تصرفات الامزجة في الحركات الطبيعية كالهضم والجماع والنوم والحركة وساير الحركات.
(۱۸۱) الدم: ويشتمل أضافة الى ما ذكر فيما بعد على القلب والعروق وتوابعهما.
(۱۸۲) البلغم: ويضم الجهاز التنفسي بمجاريه والرئتين والقصبات الهوائية وتوابعها.
(۱۸۳) الصفراء: وتشمل الجهاز الهضمي والكبد والمرارة والطحال والبنكرياس وتوابعهما.
(۱۸٤) السوداء: وتشمل الكلي والمجاري البولية والتناسلية والارحام وتوابعهما.
(۱۸٥) انظر القانون ۱|۹.
(۱۸٦) زيادة من (ج ود). وبه يتم التقسيم المذكور.
(۱۸۷) في الاصل الدم. وما أثبتناه من (ب).
(۱۸۸) ليس في (ب وج ود).
(۱۸۹) في (ب وج ود): داء الفيل. والمراد من الداء الدفين، الامراض التي تكون في المقعدة عند أسفل الانسان كالبواسير وغيره.
(۱۹۰) في (ب وج ود): ليف الاراك.
(۱۹۱) قال الشيخ الرئيس في القانون ۱|٤۲٦: قرن الايل والعنز المحرقان يجلو الاسنان بقوة، ويشد اللثة، ويسكن وجعها الهائج، ويجب ان يحترق حتى يبيض. وقال ابن البيطار في المغني ورقة ۸۲| ب: ولقرن الايل خاصة المحرق في قلع الصدأ من الاسنان والحفر فيها وتسوية أصولها.
(۱۹۲) قال الشيخ الرئيس في القانون ۱|۳۲۷: الكزمازك هو ثمر الطرفاء ». وفيه عن ديسقوريدوس: الطرفاء شجرة معروفة تنبت عند مياه قائمة، ولها ثمر شبيه بالزهر. وقد يكون بمصر الشام طرفاء بستاني شبيه بالبري في كل شيء ما خلا الثمر، فانه يشبه العفص.
ومن خواصه: قال الشيخ الرئيس: «ان فيه قبضاً، وجلاءاً، وتنقية غير تجفيف شديد، وماءه جال مجفف، جلائه اكثر من تجفيفه، وطبيخ ورقه بالشراب ينفع وجع الاسنان مضمضمة. ويمنع من تآكلها خصوصاً ثمرته».
(۱۹۳) قال الشيخ الرئيس في القانون ۱|۳۷۸: «انه ينفع من عفن الانف»، والفم، والقلاع، واسترخاء اللثة، ويزيد في الحفظ جداً، وينفع من قروح الفم المتآكلة.
(۱۹٤) قال الشيخ الرئيس في القانون ۱|۳۰۰ ومن خواصه: «انه يشد اللثة». وقال ابن البيطار في الجامع لمفردات الادوية والاغذية ٤|۱۸۹ عن ديسقوريدوس: ذا طبخ بشراب كان صالحاً لوجع العين والاذن واللثة اذا تمضمض بها. واذا ذر وهو يابس على اللثة التي تنصب اليها الفضول أصلحها.
(۱۹٥) قال ابن البيطار في المصدر السابق ۳|۳۷ عن ديسقوريدوس: «انه يجفف اللسان، ويمكث طيب الرائحة في الفم اذا مضغ».
(۱۹٦) في (ب وج ود): وحب الائل اجزاء سواء.
(۱۹۷) قال ابن البيطار في المصدر السابق ٤|۱٦۳: «هو أحد أصناف الملح المعدني»وفيه عن ديسقوريدوس: وقوته قابضة تجلو وتنقي، ونافع لللثة المسترخية. وفيه أيضاً وقال غيره: «اذا حل الملح بالخل وتمضمض به قطع سيلان الدم المنبعث من اللثات، والمنبعث أيضاً بعد قلع الضرس. واذا سخن وأمسك في الفم نفع من وجع الضرس».
(۱۹۸) في (ب وج ود) فيدق الجميع ناعماً ويستن.
(۱۹۹) في (ب وج ود) ويحفظ أصولها من الافات العارضة.
(۲۰۰) قال ابن البيطار في المصدر السابق ۲|۱٥٤ عن ديسقوريدوس: «له خمسة أصناف ـ منها صنفان ـ يقبضان الاسنان، وقد يستعملان في أشياء أخر تجلو وتنقي». وقال ابن البيطار أيضا في المغني ۸۲| ب: «اانه جيد لجلاء الاسنان وخاصة الصبيان». وقال الشيخ الرئيس في القانون ۱|۳۰٤: «والاملس أوفق بجلاء الاسنان وهو بالجملة شديد للاسنان».
(۲۰۱) زيادة من (ج ود).
(۲۰۲) زيادة من (ب وج ود).
(۲۰۳) في (ب وج ود) وهو سن الحكمة والموعظة والمعرفة والدراية وانتظام الامور، وصحة النظر في العواقب، وصدق الرأي، وثبات الجأش في التصرفات.
(۲۰٤) في (ب وج ود): «الى الهرم ونكد عيش وذبول ونقص في القوة وفساد في كونه ونكهته حتى ان كل شيء كان لا يعرفه، حتى ينام».
(۲۰٥) في (ب وج ود) فبجموده وبرده يكون فناء كل جسم يستولي عليه في آخر القوة البلغمية.