البث المباشر

كرم العباس (ع) وسخاؤُهُ

السبت 10 يوليو 2021 - 11:08 بتوقيت طهران
كرم العباس (ع) وسخاؤُهُ

العبّاس أبن أمير المؤمنين (ع) من الأجواد وعلى أيّ قول أعتمدنا على قول القائل أنّ الأخلاق سجايا وغرائز أو على قول من يقول إنّها مكتسبة وموروثة فيهما والكرم سجيّة وغريزة في قومه وسبيل ذلك واضح.

فإنّ سجايا بني هاشم الكرم وكونها مكتسبة وإنّها تحصل بطول الصحبة والتمرين فتألف وتعتاد وتقوم العادة مقام الطبع فلا شكّ أنّه (ع) قد عاشر أكرم الخلق وأجودهم أباه عليّاً وأخويه الحسن والحسين (ع) وإنّما لم يشهر شهرة غيره بالكرم لعدم أنفصاله عن خدمتهم وخاصّة خدمة أخيه الحسين (ع) حتّى في حياة أبيه وأخيه الحسن (ع) وأنّه كان ملازماً له كالحاجب له كما سيجئ فخفي ذكر كرمه بكرم أخوية الحسن والحسين (ع) والشمس تخفي أنوار الكواكب كما قال النابغة الذبيانيّ للنعمان بن المنذر:

لأنّك شمس والملوك كواكب

إذا طلعت لم يبدو منهنّ كوكب

وبعد هذا كلّه يدلّ على كرمه اُمور:
1) إنّه جاد بنفسه لأخيه الحسين (ع) وقد قال أبو تمام الطائيّ لممدوحه:

وجاد بالنفس إذ ضنّ الجواد بها

والجود بالنفس أقصى غاية الجود

وكثيراً ما يجود الجواد بماله وإن كان خطيراً وبخل بنفسه وقد قال اليافعيّ الشافعيّ في تفضيل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) على عثمان بن عفّان ويذكر أنّ عليّاً (ع) جاد بالنفس وعثمان بالمال:

ليس الذي يبذل الأموال محتسباً

في نصرة الدين سمحاً فيه بالمال

كباذل نفسه لله محتسباً

في كلّ هيجاء لجند الكفر قتّال

كلّ حميد ولكن ليس جود فتى

فالمال كالجود بالروح الزكي الغالي

وقال بعض من رثى أصحاب الحسين (ع):

جادوا بأنفسهم عن نفس سيّدهم

وقد رأوا لبثهم من بعده عارا

وحريّ بمن يرى اللبث بعد إمامه في الدنيا عاراً وشناراً أن يجود له بنفسه الغالية ويبذل له روحه العزيزة.
2) يدلّ على سخاء أبي الفضل بن أمير المؤمنين (ع) إيثاره العطاشى من أهله على نفسه كما سنذكره في الإيثار حتّى قضى عطشاً وقد مدحت العرب كعب بن مامه الأيادي واثنت عليه الثناء العظيم لأنّه آثر وفيقه بحصّته من الماء حتّى قضى عطشاً وجعلوه في أعلى مرتبة الجود.
3) قضاؤه الحاجات حيّاً وميّتاً كما لقّب بهذا السبب قاضي الحاجات وباب الحوائج؛ أمّا قضاؤه لها في حياته فظاهر من حيث أنّه كان منقطعأً لخدمة أخيه الحسين (ع) ومن قصد الحسين (ع) فإنّما يقصده أوّلاً لأنّه الباب والحاجب فتقضى الحاجات علي يده وقد ظهرت في كربلاء منه آثار مشهورة بقضاء الحاجات مرّت في السقاية.
أمّا قضاؤه الحاجات بعد شهادته إلى اليوم فحدّث ولا حرج وقد مدحه بعض الشعراء بالسخاء وقضاء الحاجات فقال:

للشوس عباّس يريهم وجهه

والوفد ينظر باسماً محتاجها

باب الحوائج ما دعته مروعة

في حاجة إلاّ ويقضى حاجها

بأبي أبا الفضل الذي من فضله

السامي تعلّمت الورى منهاجها

زجّ الثرى من عزمه فوق السما

حتّى علت في تربة أبراجها

قطعت يداه وطالما من كفّه

ديم السماحة أمطرت ثجّاجها

ذكر هذه الأبيات صاحب معالي السبطين، وللمؤلّف فيه أيضاً:

أبو الفضل ذو كرم باهر

يحيّي الوفود وزوّاره

بطلق المحيّا كبدر السماء

وقد حسد البدر أنواره

وما الغيث مثل ندا كفهّ

على الجدب وأصل أمطاره

فما الجود غير قضا حاجة

فسل زائريه وسل جاره

إذا غبت عنه وفات العيان

يبلّغك الناس أخباره

بأنّ أبا الفضل أصل النجاح

وسائل عن الغيث آثاره

وإن رام أنكارها حاسد

فقل قمر إنكاره

فإن تنسى هذا أتنسى السماح

بمهجته للحسين وإيثاره

وذي غاية الجود عند الكرام

فدع عنك كعباّ وأخباره

ونوّه بشبل عليّ الفخار

وردّد مدى الدهر تذكاره


وما لّقب (ع) بأبي الفضل إلا لكونه ذا فضل ظاهر حسبما ذكرنا، ولذا قيل فيه:

أبا الفضل يامن أسّس الفضل والإبا

أبى الفضل إلاّ أن تكون له أبا

مقتبس من كتاب (بطل العلقمي) للعلامة الشيخ عبدالواحد المظفر

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة