اَعظَمَتُ اللهِ تعالى، وَاِنْقَادَتْ لَهُ اَلدُّنْيَا واَلْآخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا، وقَذَفَتْ إِلَيْهِ اَلسَّمَاوَاتُ واَلْأَرَضُونَ مَقَالِيدَهَا، وسَجَدَتْ لَهُ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ اَلْأَشْجَارُ اَلنَّاضِرَةُ، وقَدَحَتْ لَهُ مِنْ قُضْبَانِهَا اَلنِّيرَانَ اَلْمُضِيئَةُ، وآتَتْ أُكُلَهَا بِكَلِمَاتِهِ اَلثِّمَارُ اَلْيَانِعَةُ.
القرآن منها:
وكِتَابُ اَللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطِقٌ لاَ يَعْيَى لِسَانُهُ، وبَيْتٌ لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ، وعِزٌّ لاَ تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ.
رسول الله منها:
أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ، وتَنَازُعٍ مِنَ اَلْأَلْسُنِ، فَقَفَّى بِهِ اَلرُّسُلَ، وخَتَمَ بِهِ اَلْوَحْيَ، فَجَاهَدَ فِي اَللَّهِ اَلْمُدْبِرِينَ عَنْهُ، واَلْعَادِلِينَ بِهِ.
في الدنيا منها:
وإِنَّمَا اَلدُّنْيَا مُنْتَهَى بَصَرِ اَلْأَعْمَى، لاَ يُبْصِرُ مِمَّا وَرَاءَهَا شَيْئاً، واَلْبَصِيرُ يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ، ويَعْلَمُ أَنَّ اَلدَّارَ وَرَاءَهَا، فَالْبَصِيرُ مِنْهَا شَاخِصٌ، واَلْأَعْمَى إِلَيْهَا شَاخِصٌ، واَلْبَصِيرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ، واَلْأَعْمَى لَهَا مُتَزَوِّدٌ.
ومنها في عظة الناس:
واِعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ ويَكَادُ صَاحِبُهُ يَشْبَعُ مِنْهُ ويَمَلُّهُ، إِلاَّ اَلْحَيَاةَ فَإِنَّهُ لاَ يَجِدُ فِي اَلْمَوْتِ رَاحَةً، وإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اَلْحِكْمَةِ اَلَّتِي هِيَ حَيَاةٌ لِلْقَلْبِ اَلْمَيِّتِ، وبَصَرٌ لِلْعَيْنِ اَلْعَمْيَاءِ، وسَمْعٌ لِلْأُذُنِ اَلصَّمَّاءِ، ورِيٌّ لِلظَّمْآنِ، وفِيهَا اَلْغِنَى كُلُّهُ واَلسَّلاَمَةُ، كِتَابُ اَللَّهِ، تُبْصِرُونَ بِهِ، وتَنْطِقُونَ بِهِ، وتَسْمَعُونَ بِهِ، ويَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، ويَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، ولاَ يَخْتَلِفُ فِي اَللَّهِ، ولاَ يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اَللَّهِ، قَدِ اِصْطَلَحْتُمْ عَلَى اَلْغِلِّ فِيمَا بَيْنَكُمْ، ونَبَتَ اَلْمَرْعَى عَلَى دِمَنِكُمْ، وتَصَافَيْتُمْ عَلَى حُبِّ اَلْآمَالِ، وتَعَادَيْتُمْ فِي كَسْبِ اَلْأَمْوَالِ، لَقَدِ اِسْتَهَامَ بِكُمُ اَلْخَبِيثُ، وتَاهَ بِكُمُ اَلْغُرُورُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وأَنْفُسِكُمْ.