الخطبة ۹۰: من خطبة له سلام الله عليه المعروف بالخطبة الاشباح وهي من جلائل خطبه سلام الله عليه، ومنها في صفة الأرض ودحوها على الماء
كَبَسَ اَلْأَرْضَ عَلَى مَوْرِ أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ، ولُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ، تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ أَمْوَاجِهَا، وتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِهَا، وتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا، فَخَضَعَ جِمَاحُ اَلْمَاءِ اَلْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا، وسَكَنَ هَيْجُ اِرْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا، وذَلَّ مُسْتَخْذِياً إِذْ تَمَعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا، فَأَصْبَحَ بَعْدَ اِصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ، سَاجِياً مَقْهُوراً، وفِي حَكَمَةِ اَلذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً، وسَكَنَتِ اَلْأَرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ، ورَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ واِعْتِلاَئِهِ، وشُمُوخِ أَنْفِهِ وسُمُوِّ غُلَوَائِهِ، وكَعَمَتْهُ عَلَى كِظَّةِ جِرْيَتِهِ، فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ، ولَبَدَ بَعْدَ زَيَفَانِ وَثَبَاتِهِ، فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ اَلْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا، وحَمَلَ شَوَاهِقَ اَلْجِبَالِ اَلشُّمَّخِ اَلْبُذَّخِ عَلَى أَكْتَافِهَا، فَجَّرَ يَنَابِيعَ اَلْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ أُنُوفِهَا، وفَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ بِيدِهَا وأَخَادِيدِهَا، وعَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسِيَاتِ مِنْ جَلاَمِيدِهَا، وذَوَاتِ اَلشَّنَاخِيبِ اَلشُّمِّ مِنْ صَيَاخِيدِهَا، فَسَكَنَتْ مِنَ اَلْمَيَدَانِ لِرُسُوبِ اَلْجِبَالِ فِي قِطَعِ أَدِيمِهَا، وتَغَلْغُلِهَا مُتَسَرِّبَةً فِي جَوْبَاتِ خَيَاشِيمِهَا، ورُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ اَلْأَرَضِينَ وجَرَاثِيمِهَا، وفَسَحَ بَيْنَ اَلْجَوِّ وبَيْنَهَا، وأَعَدَّ اَلْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا، وأَخْرَجَ إِلَيْهَا أَهْلَهَا عَلَى تَمَامِ مَرَافِقِهَا، ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ اَلْأَرْضِ اَلَّتِي تَقْصُرُ مِيَاهُ اَلْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا، ولاَ تَجِدُ جَدَاوِلُ اَلْأَنْهَارِ ذَرِيعَةً إِلَى بُلُوغِهَا، حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْيِي مَوَاتَهَا، وتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا، أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ اِفْتِرَاقِ لُمَعِهِ، وتَبَايُنِ قَزَعِهِ، حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ اَلْمُزْنِ فِيهِ، واِلْتَمَعَ بَرْقُهُ فِي كـُفَفِهِ، ولَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ، ومُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ، أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِكاً، قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ، تَمْرِيهِ اَلْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِيبِهِ، ودُفَعَ شَآبِيبِهِ، فَلَمَّا أَلْقَتِ اَلسَّحَابُ بَرْكَ بَوَانِيهَا، وبَعَاعَ مَا اِسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ اَلْعِبْءِ اَلْمَحْمُولِ عَلَيْهَا، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ اَلْأَرْضِ اَلنَّبَاتَ، ومِنْ زُعْرِ اَلْجِبَالِ اَلْأَعْشَابَ، فَهِيَ تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِهَا، وتَزْدَهِي بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ أَزَاهِيرِهَا، وحِلْيَةِ مَا سُمِّطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا، وجَعَلَ ذَلِكَ بَلاَغاً لِلْأَنَامِ، ورِزْقاً لِلْأَنْعَامِ، وخَرَقَ اَلْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا، وأَقَامَ اَلْمَنَارَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا، فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ، وأَنْفَذَ أَمْرَهُ، اِخْتَارَ آدَمَ (عليه السلام) خِيرَةً مِنْ خَلْقِهِ.