بِنَا اهْتَدَيْتُمْ في الظَّلْمَاءِ، وَتَسَنَّمْتُمُ العلْيَاءَ، وبِنَا انْفَجَرْتُم عَنِ السِّرَارِ، وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الوَاعِيَةَ، كَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ، رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ الخَفَقَانُ، مَا زِلتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الغَدْرِ، وَأَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ الـمُغْتَرِّينَ، حَتّى سَتَرَني عَنْكُمْ جِلْبَابُ الدِّينِ، وَبَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ النِّيَّةِ، أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ الحَقِّ في جَوَادِّ الـمَضَلَّةِ، حيْثُ تَلْتَقُونَ، وَلا دَلِيلَ، وَتَحْتَفِرُونَ، وَلا تُميِهُونَ.
ويقال إنه خطبها سلام الله عليه أي هذه الخطبة بعد قتل طلحة والزبير:
اليَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ العَجْمَاءَ ذاتَ البَيَان، عَزَبَ رَأْيُ امْرِىء تَخَلَّفَ عَنِّي، مَا شَكَكْتُ في الحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ، لَمْ يُوجِسْ مُوسَى خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ، أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلالِ، اليَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِيلِ الحَقِّ وَالباطِلِ، مَنْ وَثِقَ بِمَاء لَمْ يَظْمَأْ.
الخطبة ٥: ومن خطبة له سلام الله عليه ينهى فيها عن الفتنة
أَيُّها النَّاسُ، شُقُّوا أَمْوَاجَ الفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ، وَعَرِّجُوا عَنْ طَريقِ الـمُنَافَرَةِ، وَضَعُوا تِيجَانَ الـمُفَاخَرَةِ، أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاح، أوِ اسْتَسْلَمَ فَأَراحَ، هذا مَاءٌ آجِنٌ، وَلُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا، وَمُجْتَنِي الَّثمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا، كالزَّارعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ.
فَإِنْ أقُلْ، يَقُولُوا: حَرَصَ عَلَى الـمُلْكِ، وَإنْ أَسْكُتْ، يَقُولُوا: جَزعَ مِنَ المَوْتِ، هَيْهَاتَ بَعْدَ اللَّتَيَّا وَالَّتِي، وَاللهِ لاَبْنُ أَبي طَالِبٍ آنَسُ بالمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْي أُمِّهِ، بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ، لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الاَْرْشِيَةِ في الطَّوِيِّ البَعِيدَةِ.