بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين . السلام عليكم أحبتنا المستمعين ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم في لقاء آخر من لقاءاتنا القرانية حيث نواصل التدبر عند الأيات 32 إلى 34 من سورة الأحزاب المباركة .. أيها الأكارم ننصت في البداية إلى تلاوة مرتلة للاية 32 من سورة الأحزاب ..
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴿٣٢﴾
كان الكلام في الحلقات السابقة عن مكانة نساء النّبي ومسؤولياتهنّ الخطيرة، ويستمرّ هذا الحديث في هذه الآيات، وتأمر الآيات نساء النّبي (ص) بسبعة أوامر مهمّة. فيقول سبحانه في مقدّمة قصيرة: (يانساء النّبي لستنّ كأحد من النساء إن اتقيتنّ) بمعني أنّ إنتسابكنّ إلى النّبي من جانب، ووجودكنّ في منزل الوحي وسماع آيات القرآن وتعليمات الإسلام من جانب آخر، قد منحكن موقعاً خاصّاً بحيث أصبحتم في موقع القدوة لكلّ النساء، سواء كان ذلك في مسير التقوى أم مسير المعصية، وبناءً على هذا ينبغي أن تدركن موقعكنّ، ولا تنسين مسؤولياتكنّ الملقاة على عاتقكنّ، واعلمن أنّكنّ إن اتقيتنّ فلكنّ عند الله المقام المحمود.
وبعد هذه المقدّمة التي هيّأتهنّ لتقبّل المسؤوليات وتحمّلها، فإنّه تعالى أصدر أوّل أمر في مجال العفّة، ويؤكّد على مسألة دقيقة لتتّضح المسائل الاُخرى في هذا المجال تلقائياً، فيقول:
(فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) الأية تأمرهن بالحديث بجدّ وباُسلوب عاديّ، لا كالنساء المتميّعات اللائي يسعين من خلال حديثهنّ المليء بالعبارات المحرّكة للشهوة، والتي قد تقترن بترخيم الصوت وأداء بعض الحركات المهيّجة، أن يدفعن ذوي الشهوات إلى الفساد وإرتكاب المعاصي.
ويبيّن الأمر الثّاني في نهاية الآية فيقول عزّوجلّ: يجب عليكنّ التحدّث مع الآخرين بشكل لائق ومرضي لله ورسوله، ومقترناً مع الحقّ والعدل: (وقلن قولا معروفاً)."القول المعروف" له معنى واسع يتضمّن كلّ ما قيل، إضافةً إلى أنّه ينفي كلّ قول باطل لا فائدة فيه ولا هدف من ورائه، وكذلك ينفي المعصية وكلّ ما خالف الحقّ.
ثمّ يصدر الأمر الثالث في باب رعاية العفّة، فيقول: (وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الاُولى).
"قرن" من مادّة الوقار، أي الثقل، وهو كناية عن إلتزام البيوت.و "التبرّج" يعني الظهور أمام الناس، وهو مأخوذ من مادّة (برج)، حيث يبدو ويظهر لأنظار الجميع.
نستلهم من الأية المباركة دروسا وتعاليم منها:
- إن مكانة الأفراد الإجتماعية هي التي تحدد مستوى مسؤوليتهم و لذلك فإن محاسبة عوائل القيادات الدينية يختلف عن محاسبة سائر الناس ولا بد من مراقبة سلوكهم أكثر من غيرهم .
- لا يكفي إلتزام المرأة بالحجاب الشرعي فحسب بل إن نمط الحديث والابتعاد عن الميوعة في الكلام هو أمر ضروري وواجب أيضا .
- يوجد في المجتمع أفراد في قلوبهم مرض التجاوز عن الحدود الأخلاقية فعلي المرأة أن تحافظ على كرامتها و عفافها من خلال التعامل الصحيح مع أمثال هؤلاء .
و الان ننصت إلى تلاوة الأيات 33 و 34 من سورة الأحزاب المباركة:
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿٣٣﴾
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴿٣٤﴾
في هذه الاية يصدر الأمر الرابع والخامس والسادس، فيقول سبحانه: (وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله).
إذا كانت الآية قد أكّدت علي نساء النبي الصلاة والزكاة من بين العبادات، فإنّما ذلك لكون الصلاة أهمّ وسائل الإتّصال والإرتباط بالخالق عزّوجلّ، وتعتبر الزكاة علاقة متينة بخلق الله، وهي في الوقت نفسه عبادة عظيمة. وأمّا عبارة: (أطعن الله ورسوله) فإنّه حكم كلّي يشمل كلّ البرامج الإلهية.
إنّ هذه الأوامر الثلاثة تشير إلى أنّ الأحكام المذكورة ليست مختّصة بنساء النّبي، بل هي للجميع، وإن أكّدت عليهنّ.
ويضيف الله سبحانه في نهاية الآية: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً).
إنّ التعبير بـ (إنّما) والذي يدلّ على الحصر عادةً - دليل على أنّ هذه المنقبة خاصّة بأهل بيت النّبي (ص).
وجملة (يريد) إشارة إلى إرادة الله التكوينية، وإلاّ فإنّ الإرادة التشريعية - وبتعبير آخر لزوم تطهير أنفسهم - لا تنحصر بأهل بيت النّبي(ص)، فإنّ كلّ الناس مكلّفون بأن يتطهّروا من كلّ ذنب ومعصية.
من الممكن أن يقال: إنّ الإرادة التكوينية توجب أن يكون ذلك جبراً، إلاّ أنّ للمعصومين أهلية إكتسابية عن طريق أعمالهم، ولهم لياقة ذاتية موهوبة لهم من قبل الله سبحانه، ليستطيعوا أن يكونوا اُسوة للناس.
وبتعبير آخر فإنّ المعصومين نتيجة للرعاية الإلهية وأعمالهم الطاهرة، لا يقدمون على المعصية مع إمتلاكهم القدرة والإختيار في إتيانها، تماماً كما لا نرى عاقلا يرفع جمرة من النار ويضعها في فمّه، مع أنّه غير مجبر ولا مكره على الإمتناع عن هذا العمل، فهذه الحالة تنبعث من أعماق وجود الإنسان نتيجة المعلومات والإطلاع، والمبادىء الفطرية والطبيعية، من دون أن يكون في الأمر جبر وإكراه.
مفردة "الرجس" تعني الشيء القذر، سواء كان نجساً وقذراً من ناحية طبع الإنسان، أو بحكم العقل أو الشرع، أو جميعها.و "التطهير" الذي يعني إزالة النجس، هو تأكيد مسألة إذهاب الرجس ونفي السيّئات، ويعتبر ذكره هنا بصيغة المفعول المطلق تأكيداً آخر على هذا المعنى.
وأمّا تعبير (أهل البيت) فإنّه إشارة إلى أهل بيت النّبي (ص) باتّفاق علماء الإسلام والمفسّرين، وهو الشيء الذي يُفهم من ظاهر الآية، لأنّ البيت وإن ذكر هنا بصيغة مطلقة، إلاّ أنّ المراد منه بيت النّبي (ص) بقرينة الآيات السابقة واللاحقة.فهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها عليهم جميع سلام الله .
ترشدنا الأيتان إلى دروس وعبر نشير إلى بعض منها:
- إن ظهور المرأة متزينة ومتبرجة في المجتمع لا يدل على الحضارة والحداثة بل العكس إنه دليل على الجاهلية.
- إن فريضة دفع الزكاة وتخصيص جزء من الأموال أمر لا يختص بالرجال بل إنه أمر يشمل المرأة أيضا.
- إن أسرة القيادات الدينية الذين يرشدون الأمة إلى الطريق السوي يجب أن تكون بعيدة عن العيوب والأرجاس.
- من المفرض أن لا تتأخر ربات البيت عن ركب التعلم واكتساب الحكمة والمعرفة و عليها أن تسعى لتنمية روحها نحو الكمال.
ايها الاكارم وصلنا الي نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة على أمل أن نلقاكم مجددا نستودعكم الله عزوجل و إلى اللقاء .