البث المباشر

تفسير موجز للآيات 1 الى 8 من سورة الروم

الأربعاء 14 أغسطس 2024 - 15:56 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 730

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم على النبي الخاتم وآله الأطهرين.

مستمعينا الكرام إخوة وأخوات، السلام عليكم وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" والتفسير المبسط لآي الذكر الحكيم.

 

بإنتهاء تفسير سورة العنكبوت المباركة، نشرع بإذنه تعالى بتفسير سورة الروم بآياتها المدنية الستين إلا سبع عشرة آية فإنها كما قيل مكية.

فبادئ ذي بدء، هذا تفسير الآيات من الأولى الى الخامسة:

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الم ﴿١﴾ 

غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾

 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾

 فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ 

بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾

"أدنى الأرض" في الآية يراد بها لغوياً، أقربها الى العرب والبضع ما بين الثلاثة والعشرة.

"من قبل ومن بعد" نحوياً، هما ظرفا زمان مبنيان على الضم، أما "يومئذ" فهو ركب من "يوم" ظرف زمان منصوب على الفتح ومضاف و"ئذ" مضاف إليه.

أما الآية الأولى "ألم" وهي مطلع سورة الروم المباركة من الحروف المقطعة في المصحف الشريف سبق أن وردت كذلك في مطلع سورة البقرة أيضاً. وفي الآيات اللاحقة إخبار غيبي فإن وجوه الإعجاز في القرآن الكريم متعددة، منها تحدي المنكرين والناس كلهم بأن يأتوا بسورة من مثله، ومنها عقيدته الإلهية وهدايته إلى بواعث التقدم وأسبابه، وشريعته الإنسانية المؤمنة لحاجات الناس في كل زمان ومكان وتقر الشرائع الوضعية بأن كل ما فيه صلاح الناس، موجود في شرائع القرآن، علماً أن الذي بلغ القرآن أي النبي محمداً صلى الله عليه وآله لم يتتلمذ على أحد، ومنها أن كلام القرآن يحمل وجوهاً كثيرة دون كلام الناس، فسر ذلك يكمن في عظمة الخالق الذي علمه لا يحج بشيء.

ومن مظاهر إعجاز القرآن إخباره عما لا يطلع عليه إلا علام الغيوب، كالإخبار عما كان يضمره المنافقون، وعن إنتصار النبي على أعدائه وظهور الإسلام على الدين كله، وعن عودته صلى الله عليه وآله الى مكة منتصراً، وعما يحدثه أصحابه من بعده، وعن اليهود وطبيعتهم، وعن إنتصار الروم على الفرس بعد بضع سنين من هزيمتهم، والآيات هذه تشير الى هذه الحادثة وهي: إن فارس كانت على ديانة الزراتشت، أما الروم فكانت على دين النصارى وهم أهل كتاب كالمسلمين، وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وآله دارت الحرب بين فارس والروم بأرض الشام، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأن الطائفتين من أهل الكتاب، وجاءت الأخبار بانتصار الفرس، فشق ذلك على المسلمين، وفرح المشركون، وقالوا للمسلمين: لأن الفرس الذين لا كتاب لهم غلبوا الروم أصحاب الكتاب، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي أنزل على نبيكم، فنحن لا كتاب لنا، وسنغلبكم كما غلب الفرس الروم، فنزلت هذه الآيات وما مضت تسع سنين حتى أظهر الله الروم على الفرس، ففرح المسلمون.

وهنا يكمن سر الإعجاز حيث أخبر القرآن الكريم قاطعاً جازماً عن إستئناف الحرب وتحديدها في بضع سنين، وإنتهائها بانتصار الروم، فكان كما قال سبحانه، وهذا الغيب لا يعلمه إلا الله وحده.

وقوله " لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ" أي قبل هذا النصر وبعده وإليه وحده ترجع الأمور" وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ" أي يوم تظهر الروم على فارس؛ وأسند سبحانه النصر إليه لأن جميع الأسباب الكونية تنتهي إليه تعالى فهو خالق الكون وما فيه "وهو العزيز الحكيم" ينتقم من الظالم ويرحم المظلوم.

أفادتنا الآيات:

  • من دلائل إعجاز القرآن الكريم، إخباره عن الغيب وقادم الأحداث.
  • وجوب الصمود أمام الهزائم وعدم الإستسلام لها، ما يعني وجوب التفاؤل والتطلع الى الأمل بعونه تعالى أبداً.
  • مشيئة الله وإرادته قائمة على الحكمة وإخفاق المؤمنين ونصرهم يتمحوران بدورهما حول الحكمة الربانية طبعاً على المؤمنين العمل بواجباتهم وإن كانت نتيجة العمل هذا وعاقبته.

 

نبقى مع الآيتين السادسة والسابعة من سورة النور المباركة:

وَعْدَ اللَّـهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٦﴾

 يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴿٧﴾

قوله سبحانه " وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " بعد أن أخبر سبحانه عن الغيب المحجوب بخصوص إنتصار الروم على فارس، أكد حتمية هذا النصر ولكن من لا يؤمن بالله كيف يؤمن بوعده؟ وهذا التوكيد القاطع لأصدق شاهد على أن القرآن وحي من الذي يتساوى لديه عالم الغيب والشهادة ولو حصل الخلف بالوعد لتذرع به أعداء الرسول الأعظم للتشكيك بصدقه ورسالته صلى الله عليه وآله.

وقوله عزوجل " يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ" يشير إلى أن الدنيا وأحوالها من عالم الشهادة والآخرة وأهوالها من عالم الغيب، وبديهي أن عالم الشهادة يدرك بالحواس، أما عالم الغيب فلا يدرك إلا بطريق الوحي وهم لا يؤمنون به، فمن أين يأتيهم العلم بالآخرة؟

بينت الآيتان:

  • سبب عدم الوفاء بالوعود هو إما الجهل بشكل عام، أو عند الوفاء بها في حين أن الله منزه عن كل ذلك.
  • حب الدنيا وهو رأس كل خطيئة، يسبب السطحية وضيق النظر.
  • أساس التغافل عن الآخرة، الإهتمام بالظواهر الدنيوية والإفتتان بها.

والآن نستمع وإياكم للآية الثامنة من سورة الروم:

 أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم ۗ مَّا خَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴿٨﴾

إن الله جل جلاله حكيم لا يخلق شيئاً إلا بالحق ولحكمة وغاية حكيمة والعبث في حقه عزوجل محال، وهو قادر على إعادة الإنسان الى الحيوة بعد إنتهاء أجله المحدد له، ومن تدبر عظمة الكون يدرك حكمة الله في خلقه وهي إيصال الخير إليهم، ويدرك قدرته إحياء الموتى لأن خلق السموات والأرض أعظم من إعادة الإنسان بعد الموت: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 33:الأحقاف

وقوله عزوجل "وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون" أي مكذبون لكونه قادراً على الإعادة جهلاً منهم بأن القادر على الإبداء قادر أيضاً على الإعادة لأن السبب فيهما واحد، إمكاناً وامتناعاً.

من دروس الآية:

  • الإسلام يدعو الناس جميعاً الى التفكر في نظام الكون، تقويماً لإيمانهم على أساس المعرفة.
  • للخلق هدف معلوم الى جانب أجل معلوم.
  • إنكار يوم القيامة، يفتقر الى الفكر والإستدلال المنطقي، فجذور هذا الإنكار تكمن في التعلق بالحيوة الدنيا والإفتنان بمغرياتها المادية.

 

مستمعينا الأفاضل، إنتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة ولنا لقاء قادم بإذن الله.. نستودعكم الله والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة