بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين المصطفى محمد وآله.
إخوة الإيمان السلام عليكم وأهلاً بكم في هذا اللقاء وحلقة جديدة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة العنكبوت المباركة نستهله بالآية السادسة والأربعين:
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿٤٦﴾
بعد ما أوحى سبحانه لنبيه المصطفى بقوله "أتل ما أوحي إليك من الكتاب" بالتبليغ والدعوة عن طريق تلاوة القرآن بين كيفية الدعوة فنهى عن مجادلة أهل الكتاب قائلاً "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى.. والجدال بالحسنى أن يكون بالحجة والدليل بأسلوب بشر مغير غير منفر، وواضح لا تعقيد فيه ولا تكلف مع إنصاف المناظر في الإستماع لما يريد، والإعتراف له بما هو محق فيه، سواء أكان من أهل الكتاب، أم لم يكن، كوده على المشركين الذين قالوا "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" فقد قال لهم سبحانه "أو لم جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم" فمن شأن هذا الرفق والتلطف وهم الحجة وشفاعة من كان له قلب أو استمع لهذه الحجة وهو شهيد...
وإنما خص سبحانه أهل الكتاب بالذكر لأن المفروض فيهم تقبل الحق أكثر من المشركين لإيمانهم بالله وملائكته وكتبه وأنبيائه.
أما قوله عزوجل "إلا الذين ظلموا منهم" فالمراد معاندو الحق والمصرون على الضلال، فإنهم لا يرتدعون بحال فعليكم أن تدعوا هذا النوع من أهل الكتاب ولا تجادلوهم في الدين مطلقاً بل قولوا لهم: "آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" أي كما يجب عليكم أيها المسلمون مجادلة من ترجون هدايته من أهل الكتاب فعليكم دعوة المعاندين منهم بالحسنى أيضاً بمعنى لا تظهروا لهم العداء، بل خالطوهم وقولوا لهم: إن معبودنا ومعبودكم واحد ونحن مؤمنون به وبالتوراة المنزلة على موسى والإنجيل الذي أنزل على عيسى .. تماماً كما نؤمن بالقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وآله.
من دروس الآية:
- وجوب تجنب الإهانة، الإستهزاء والشتم لدى محاورة غير المسلمين فبدل ذلك وكما يوصي القرآن، يجب أن يبنى هذا الحوار على أسس منها إقامة الحجة على الدعوى بما تستدعيه طبيعتها في نظر العقل، وطلب الحجة ممن جحد وعاند ورد بحجة أبلغ وأقوى إن كان لديه أثاره من شبهة أو دليل، طبعاً يجب إتباع النهج ذاته مع المسلمين أيضاً.
- تعاطي الأفكار والحوار البناء بني الأديان السماوية القائم على القواسم المشتركة مما يوصي به الإسلام أيضاً.
- الإيمان بالله والرسول واجب لكن غير كاف، فما يكمل ذلك التسليم المطلق لله وللرسول.
والآن نستمع للآية السابعة والأربعين من سورة العنكبوت المباركة:
وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَـٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴿٤٧﴾
الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وآله، والمراد بالكتاب القرآن والمعنى: كما أنزلنا التوراة على موسى والإنجيل على عيسى من قبلك أنزلنا عليك القرآن "فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به" هذا إشارة الى الذين أسلموا من اليهود والنصارى "ومن هؤلاء من يؤمن به" إشارة الى الذين أسلموا من مشركي العرب آنذاك "وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون" أي لا يكفر بآيات الله إلا الكافرون وما ينكر دلالاتنا إلا الكافرون ولا يضرك جحودهم... فدلائل الصدق على القرآن قد بلغت من الوضوح مبلغاً لا ينكره إلا من اتخذ الباطل ديناً، والكفر عقيدة لا يحيد عنها حتى ولو ظهر بطلانها ظهور الشمس في رابعة النهار، كما هو شأن اليهود الذين قال بعضهم لبعض "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" كما في الآية 37 من سورة آل عمران.
علمتنا الآية:
- إن القرآن، فيما يحترم كتب الأنبياء الأقدمين يدعو أتباع سائر الأديان بالتشرف باعتناق الإسلام والتدين بهذا الحنيف.
- من أسلم لله لا يتعصب لدين أو عقيدة خاصة، فعليه الإيمان بما جاء من بعد نبيه من أنبياء ورسل بهم وبكتبهم لا التعصب للدين الذي هو فيه.
نبقى مستمعينا الكرام الآن مع الآيتين الثامنة والأربعين والتاسعة والأربعين من سورة العنكبوت المباركة:
وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴿٤٨﴾
بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴿٤٩﴾
بالنسبة لقوله تعالى "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون"
فقد اتفق المؤرخون على أن محمداً صلى الله عليه وآله لم يختلف الى معلم صغيراً ولا كبيراً، ومع هذا جاء بالقرآن معجزة المعجزات في عقيدته وشريعته وجميع مبادئه وتعاليمه وفي إخباره عن الأنبياء السابقين وغير ذلك، وهذا دليل كاف واف على أنه وحي من الله، لا من صنع البشر، ولو كان النبي (ص) قد درس عند معلم لقال المفترون: القرآن من صنع محمد لا من وحي الله.
إما قوله تعالى: "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون" فهو تأكيد لكون القرآن من صنع محمد (ص) بل هو وحي من الله يؤمن به ويركن إليه الذين يطلبون العلم للإيمان بالحق وبه يعلمون، أما الذين يتخذون العلم متجراً وحانوتاً فيكفرون به، لأنه حرب على النفاق والإستغلال.
وهكذا أيها الإخوة والأخوات الأفاضل نأتي الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحيوة، موعدنا معكم في حلقة جديدة وتفسير آي أخر من سورة العنكبوت المباركة إن شاء الله.
الى ذلك الموعد، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.