بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم على النبي المصطفى محمد وآله.
إخوة الإيمان متابعي برنامج نهج الحياة السلام عليكم وأهلاً بكم في حلقة جديدة من البرنامج وتفسير الآيات من الحادية والأربعين الى الخامسة والأربعين من سورة العنكبوت المباركة.. هذه أولاً الآيتان الحادية والأربعون والثانية والأربعون:
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿٤١﴾
إِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٤٢﴾
ترى من هم الذين اتخذوا من دون الله أولياء؟ هل هم عبدة الأحجار والأوثان فقط، أم أنهم أعم وأشمل؟ فقوله سبحانه في سورة فاطر"من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً" ما يعني أنه لا عزة ولا قوة لمال أو علم أو سلطان أو لأي شيء ما لم يقم على تقوى الله ومرضاته وكان مظهراً لطاعته وإرادته.. فالعلم قوة وخير إذا كان دعامة للحق والعدل ووسيلة لنمو الحيوة وازدهارها والعلم ضعف وشر وكفر بالله وبالإنسانية إذا كان وسيلة للبغي والعدوان وللخراب والدمار كذا المال والسلطان وغيرها.
على هذا، فإن الذين اتخذوا من دون الله اولياء هم عبدة الأوثان ومن أعرض عن الله مغتراً بمال أو علم وفهم أو سلطان، ومن بغى وسعى في الأرض فساداً قد شبه سبحانه قوة هؤلاء ببيت العنكبوت الذي يبقى إذا سكنت الرياح ولم يعترضه أي عارض وإذا هبت الريح أو اعترضه أدنى شيء يصبح هباء لا عين له ولا أثر.. أي أن كل من أعرض عن الله سبحانه معتمداً على وثن أو علم أو مال أو سلطان فهو من الذين اتخذوا من دون الله أولياء ومن يتخذ من دون الله ولياً فهو من الخاسرين.
يقول الجاحظ في كتابه الحيوان: (إن ولد العنكبوت يقوم على النسج ساعة يولد ومادة نسيجه من الخارج لا من جسده، وإنه لما عرف عجزه عما يقوى عليه اليث احتال بخيوطه على صيد الذباب من أجل قوته) وعلى العاقل أن يسأل نفسه وعقله: من الذي ألهم العنكبوت فن النسج ودله ساعة يولد على المادة التي تصلح لنسجه؟ وأي مهندس وضع له تصميم هذا البيت على شكل مصيدة الذباب؟ وهل جاء هذا بالصدفة؟ وإذا تكررت الصدفة مرتين أو ثلاثاً فهل تتكرر في كل عنكبوت ولد ويولد إلى ما لا يبلغه عد ولا حصر؟ تعالى الله عما يفترون.. كلا إنه سبحانه خلق فسوى وقدر فهدى.
وقوله تعالى "إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء أي من الأوثان وغيرها مما يعتمدون عليه من دون الله كالمال والسلطان والمعنى" إنه تعالى يعلم حقيقة هذه الأشياء التي يعتزون بها وإنها لا تغني عن الله شيئاً "وهو العزيز الحكيم" عزيز بقدرته حكيم بتدبيره.
ما أوضحته الآيتان:
- من أساليب القرآن لإيضاح الحقائق التمثيل التشبيه بما هو معروف ومألوف ويتفهمه الناس كلهم في كل زمان ومكان.
- أساس الإيمان محكم وقوي أما أساس الشرك فهو ضعيف ووهن.
- من يتكل على الله يكفه الله ويغنه عما سواه وإلا مثله مثل العنكبوت إتخذت بيتاً هو أوهن البيوت، لذا فإننا مدعوون لعبادة الله الخالق القادر القاهر الذي يخر له ما في السموات والأرض ركعاً سجداً وكذا الحكيم العليم بذات الصدور.
والآن نبقى مع قوله في الآيتين البينتين الثالثة والأربعين والرابعة والأربعين:
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴿٤٣﴾
خَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿٤٤﴾
تلك إشارة إلى ما في القرآن من أمثال كالعنكبوت ونظائره، ينبه الله الناس بها إلى وحدانيته وعظمته ولكن لا يعي هذه الأمثال وغيرها من آي الذكر الحكيم إلا ذوو العقول والبصائر.
وقوله تعالى "خلق السموات والأرض بالحق" أي على وجه الحكمة والمصلحة، ولم يخلقها عبثاً ولهواً، والحكمة من خلقها أن تسكنها الخلائق وينتفعوا بها، ويستدلوا بصنعها وعجائبها على وحدانية الله وعظمته "إن في ذلك لآية للمؤمنين" المنتفعين بذلك.. وهذا الإتقان دليل قاطع على وحدانية الله وعظمته عند المنصفين الذين يبتغون الحق ويؤمنون به لوجه االحق تبارك وتعالى.
من دروس الآيتين:
- الأمثال القرآنية، تمتاز بعمقها ودقتها اللذين لا يعيهما إلا العالمون وذوو البصائر والألباب.
- لم يخلق الكون وما فيه مصادفة، وإنما وفق برنامج معلوم وغاية معلومة وطبقاً لنظام ثابت لا يتغير وسنة إلهية جارية لا تختلف ولا تتخلف كما يشير له قوله تعالى في سورة القمر "إنا كل شيء خلقناه بقدر" وكذا في سورة الدخان "وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون"
لا يعي المشركون والكافرون آيات الله وما خلق أما المؤمنون فإنهم يستدلون بذلك على وحدانية وعظمة سبحانه.
والآن نستمع للآية الخامسة والأربعين من سورة العنكبوت:
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿٤٥﴾
تأمر الآية بتلاوة الوحي الإلهي وما فيه من الأمثال للناس في القرآن لعلهم يفقهون ويتقون قبح عبادة الأصنام والأهواء، ثم تأمر الآية بإقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالمصلي يحرم عليه التفوه بكلمة أو التحرك بما يناقض طبيعة الصلاة ويبطلها ولا يحرم عليه أن يقول ويفعل ما يتلاءم مع الصلاة وصحتها كما لو زاد في التسبيح والتمحيد حين الركوع والسجود، أو تصدق لوجه الله أثناء الصلاة دون أن يخل بشيء منها، كما فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حين تصدق بخاتمع وهو راكع، وعلى هذا يكون المراد بالفحشاء والمنكر كل قول أو فعل يبطل الصلاة أي أن الصلاة تقول للمصلي: حافظ علي ولا تأت بما يبطلني ويخرجني عن هويتي وحقيقتي.
أما قوله عزوجل "ولذكر الله أكبر" فليس المراد أن ذكر الله أكبر من الصلاة لأن الصلاة ذكر الله والشيء لا يكون أكبر من نفسه وإنما المراد أن الله أكبر ذاكر لعباده باللطف والرحمة وبعبارة أن الله ذاكر ومذكور، هو ذاكر لأنه يذكر عباده بلطفه ورحمته، وهو مذكور لأن عباده يذكرونه بقلوبهم إيماناً وإخلاصاً وبألسنتهم تهليلاً وتسبيحاً وبأفعالهم ركوعاً وسجوداً وهو أكبر الذاكرين والمذكورين لأنه رب العالمين "والله يعلم ما تصنعون" من خير وشر ويجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون.
ما أوضحته لنا الآية:
- تلاوة القرآن الكريم وإقام الصلوة في صدر برامج الإسلام التربوية، وكم أوصي ويوصي به العلماء ورجال الدين.
- يوضح القرآن، فلسفة بعض أحكام الدين، مثل الصلوة التي تجنب الإنسان كل ما هو فاحش ومنكر وتقربه إلى الله سبحانه وتعالى.
- عمل الخير وما هو صالح مثل تلاوة القرآن الكريم وإقامة الصلوات الخمس في أوقاتها، تبعد الإنسان عن المعاصي وكل ما هو قبيح بصورة طبيعية.
- للصلوة، دورها الكبير في إصلاح الفرد والمجتمع.
إلى هنا مستمعينا الأفاضل نأتي على نهاية الحلقة موعدنا معكم في حلقة جديدة من البرنامج والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.