بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله الأطيبين.
إخوة الإيمان أهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة العنكبوت المباركة.
هذه أولاً الآية الرابعة والعشرون:
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّـهُ مِنَ النَّارِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٢٤﴾
تعود الآية بالحديث عن إبراهيم عليه السلام وسيرته مع قومه الذين حاولوا التخلص منه ومن دعوته التوحيدية لهم بالقتل أو الإحراق.. وهذا هو منطق الجبابرة الطغاة في كل زمان ومكان... تدمغهم الحجة الواضحة فترتعد منها فرائصهم، ويخافون على مناصبهم، ولا يملكون إلا الظلم والطغيان، فيصدرون الأوامر: أسجنوا.. عذبوا.. صادروا الأملاك.. أهدموا البيوت.. أشنقوا.. احرقوا.. وهنا تتدخل العناية الإلهية، بإنقاذ المظلوم من أيدي الظالمين، وأما بأخذهم أخذ عزيز مقتدر بيده أو بيد المؤمنين الأحرار من عبيده، فيشفي الله صدور المستضعفين والمظلومين، لقد كان موقف نمرود وقومه بعدما دعاهم النبي الإبراهيم الى الله ونهاهم عن الشرك بأبلغ الحجج هو أن قالوا حين تقطعت بهم السبل لا تحاجوا إبراهيم ولكن اقتلواه أو حرقوه ليتخلصوا منه فأججوا ناراً وألقوا فيها إبراهيم عليه السلام فأنجاه الله منها وفي لذك علامات واضحات وحججاً بينات لقوم يؤمنون بصحة ما أخبر الله به وبتوحيد الله وكمال قدرته جل وعلا وما جاء في دعوة إبراهيم الخليل (ع).
ومن أبرز الدروس المستفادة من هذه الآية:
- منطق أعداء الدين السجن.. التعذيب.. القتل والإعدام، لا البحث عن الحقيقة ودركها، فما هم بصدده وما يهمهم المحافظة على السلطة أو القدرة والكراسي وخزن الأموال فحسب.
- قلة عدد المؤمنين، لا تدل على إستسلامهم للمتغطرسين والجبابرة وأرباب الجاه والمال، فقد تحدى إبراهيم عليه السلام وتصدى بمفرده للكفرة ومن أضلوا السبيل.. فنصره الله، فيا له من ناصر ومعين.
- إن إرادة الله ومشيئته سبحانه وتعالى فوق كل شيء وهو القادر المطلق الذي لا ينازعه في ذلك أحد كما في قوله تعالى " والله غالب على أمره" فهو المسبب للأسباب كلها والمزيل للأسباب كلها. يمنح النار قدرة الحرق ويفقدها قدرة هذه متى شاء.
نستمع الآن للآية الخامسة والعشرين من السورة:
وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴿٢٥﴾
كان رد إبراهيم لقومه على عنادهم هو قوله بما مؤداه "إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحيوة الدنيا" عبدتم هذه الأوثان، علماً منكم بأنها لا تنفع ولا تضر، ولكن عظمتموها تقليداً لمن تودونهم وتحبونهم في هذه الحيوة، ولكن في يوم القيامة يكفر بعضكم بعض ويلعن بعضكم بعضاً فستنقلب هذه المودة الى عداوة يوم القيامة فيعلن الأتباع منكم القادة الذين زينوا لهم الكفر.. يقول الإمام علي عليه السلام: يتبرأ التابع من المتبوع والقائد من المقود، فيتزايلون بالبغضاء – أي يتفارقون – ويتلاعنون عند اللقاء ويكون مصيرهم الى النار التي فيها الهلاك والمؤبد ولا ناصر ينصرهم ويدفع عنهم العذاب إنهم توسلوا الى المودة ليتناصروا ويتعاونوا ويتعاضدوا في الحيوة، لكن هذه المودة تصير يوم القيامة معاداة ومضادة وأورثت تبرياً وخذلاناً.. إنها نهاية من كفر بالحق تابعاً كان أو متبوعاً.
أفادتنا الآية:
- وجوب أن يكون محور أي مجتمع وهويته سليماً ومنطقياً لا كعبدة الأوثان الذين اتخذوا أوثانهم مودة بينهم في الحيوة الدنيا.
- وجوب تغليب الكفر والعقل أو المنطق على العواطف والمشاعر، لا أن تكون العواطف والمشاعر هذه، ما يحدد طبيعة فكر الإنسان وما يؤمن به.
- لا فائدة في المودة أو الصدافات الدنيوية المفترقة لمحاور وأسس قومية فإنها ليس فقط غير مجدية يوم القيامة بل تبدل الى العداوة والتنافر بين الأفراد.
والآن نبقى مع قوله تعالى والآية السادسة والعشرين من سورة العنكبوت المباركة:
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٢٦﴾
لم يهتد أحد من قوم إبراهيم ويؤمن بدعوته بصدق إلا لوط، وليس هذا ببعيد، فالآية تشير الى ذلك فضلاً عما تذكر كتب كثيرة أن إبراهيم هاجر ومعه لوط وإمرأته سارة الى أرض الشام وتماثل هجرة النبي إبراهيم هذه هجرة المسلمين من مكة الى الحبشة أولاً والى يثرب أو المدينة لاحقاً ثانياً بسبب أذى المشركين، لقد هاجر إبراهيم ثقة بالله العزيز الذي لا يذل من نصر والحكيم الذي لا يضيع من حفظه.
أفادتنا الآية:
- ليس الأنبياء كالملوك الذين يحاول كل منهم تصفية الآخر أو إبعاده عما يتيح له المزيد من القدرة والسلطان، فما يتطلع إليه رسل السماء التعاضد والتآزر فيما بينهم ترويجاً للدين وما بعثوا من أجله، مثل ذلك مثل لوط فإنه آمن بإبراهيم وآزره وناصره في دعوته.
- ليس هناك ما يربط أولياء الله بالأرض أو المكان والزمان، فإنهم المهاجرون الى الله متى ما اقتضى الحال.
إنتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحيوة موعدنا معكم مستمعينا الأفاضل في حلقة قادمة بإذنه تعالى.
حتى ذلك الموعد نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمته وبركاته.