البث المباشر

تفسير موجز للآيات 1 الى 7 من سورة العنكبوت

الأحد 12 إبريل 2020 - 06:22 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 716

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

إخوة الإيمان أهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة نستهل الحلقة أيها الإخوة والأخوات الكرام بتفسير مبسط لسورة العنكبوت المباركة، فبادئ ذي بدء نستمع للآيات الثلاث الأولى من هذه السورة المكية:

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الم ﴿١﴾

 أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾ 

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣﴾

 

أختتمت سورة القصص بالوعد والوعيد فقال تعالى وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. بينما أفتتحت سورة العنكبوت المكية هذه بذكر تمحيص المؤمنين وتمييز الصادقين في الإيمان.

عن فضيلة هذه، يروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من قرأ سورة العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل المؤمنين والمنافقين.

وحروف "ألم" المقطعة تقدم تفسيرها في مطلع سورة البقرة وهي تعني أسماء السور.. فيما قيل: إنها مختصرة من كلمات.

وقيل: مقسم بها وقيل: من أسماء القرآن أو أسماء الله تعالى أو من سر الله.

أما قوله عزوجل: "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" ففيه بيان لحقيقة أن الإيمان ليس كلمة تقال، بل لابد من الإبتلاء والإمتحان بأنواه من السراء والضراء، فمن صبر عند هذه ولم يخرج عن دينه وشكر وتواضع عند تلك ولم يطغه الجاه والمال فعلامة صدق الإيمان إستجابة المؤمن العملية لدعوة الله، لا استجابته اللفظية.

وقوله عزوجل: " وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" يشير الى اختيار أتباع الأنبياء من الأمم السالفة بالشدائد، فصبروا صبر الأحرار وازدادوا تمسكاً بدينهم وإخلاصاً لربهم وأنبيائهم .. وما يوضح تفسير الآية قوله تعالى في الآية 146 من سورة آل عمران " وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ" ويعني سبحانه في قوله "فليعلمن" أنه يمتحن عباده بإقبال الدنيا عليهم وإدبارها عنهم لتظهر أفعالهم التي يستحق عليها الثواب والعقاب، لأنه جلت حكمته، لا يحاسب الإنسان على ما فيه من قابلية واستعداد للخير والشر، وإنما يحاسبه على أعماله التي تطهر للعيان.

ما تعلمناه من هذه الآية:

  • ليس الإيمان، مجرد قول آمنا بالله، بل هو حقيقة الإيمان التي لا تحركها عواصف الفتن ولا تغيرها غير الزمن، وهي إنما تتثبت وتستقر بتوارد الفتن وتراكم المحن، ما يستدعى كل صنوف التضحية والإيثار.
  • الفتنة أو الإمتحان، من سنن الله الجارية على مدى السنين وطول الزمن والتاريخ وأن الناس كلهم يفتنون بشكل ما، الأثرياء يفتنون بأموالهم، والفقراء بفقرهم والأقوياء بقوتهم والضعفاء بضعفهم وعجزهم. فالسعادة المترتبة على الإيمان إنما تترتب على آثاره الظاهرة من الصبر عند المكاره والصبر طاعة الله والصبر عن معصية الله لا على دعوى الإيمان المجردة.

والآن نبقى معكم مستمعينا الأفاضل مع الآيتين الرابعة والخامسة من سورة العنكبوت المباركة:

 أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴿٤﴾ 

مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّـهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّـهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٥﴾

 

المراد بقوله تعالى "أم حسب الذين يعملون السيئات" المشركون الذين كانوا يفتون المؤمنين ويصدونهم عن سبيل الله وقوله عزوجل "أن يسبقونا" أي يغلبونا ويعجزونا بسبب فتنة المؤمنين وصدهم عن سبيل الله، فهؤلاء "ساء ما يحكمون" لأنهم يحكمون ظنهم فيتوهمون أنهم يقهرون إرادة الله.

أما عن قوله تعالى " مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" فالمراد بلقاء الله وقوف العبد موقفاً كريماً لا حجاب بينه وبين ربه.

تؤكد الآيتان:

لإرتكاب الذنوب والتمادي فيها، أثره السلبي في الإنسان ما يبتليه بالظنون الواهية بالله ونظام الكون والخليقة.

على الكافرين أن لا يغرنهم الوعد الإلهي وما لأمهلوا به، فمن كان يخشى البعث ويخاف الجزاء والحساب، فليبادر بالطاقة قبل أن يلحقه الأجل، فإن الفرص تمر مر السحاب والقيامة حق لابد منه وعلى المؤمنين والصالحين كذلك الصبر والثبات فيما هم فيه، فوعد الله حق والله لا يخلف وعده.

والآن نستمع للآيتين السادسة والسابعة من سورة العنكبوت المباركة:

وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴿٦﴾

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٧﴾

 

لما رغب سبحانه في تحقيق الرجاء والخوف بالطاعة عقب ذلك بالترغيب في المجاهدة أو الجهاد مبالغة في الجهد بمعنى بذل المزيد من الطاعة، فمن جاهد الشيطان بدفع وسوسته وإغوائه وجاهد أعداء الدين إحياء للدين، وجاهد نفسه التي أعدى أعدائه، فإنما يجاهد لنفسه لأن ثواب هذا الجهاد عائد عليه وواصل إليه وذلك لأن الله غني عن العالمين، لا تنفعه طاعة من أطاع ولا تضره معصية من عصى ومن آمن بعد ما كفر، وأصلح بعدما أفسد فإن الله يغفر له ويغفر عما مضى، وفوق ذلك يثيبه تفضلاً منه على إيمانه وإصلاحه تماماً كمن لا ذنب له.

وتبين الآية السابعة عاقبة الإيمان الحق المقارن للجهاد والمبين كذلك أن نفع هذا الإيمان يعود الى صاحبه لا الى الله سبحانه وأنه عطية من الله وفضل.

على هذا، لا تخلو الآية مما يدل على أن الجهاد في الله هو الإيمان والعمل الصالح وأنها تعني تبديل "ومن جاهد" في الآية السابقة الى قوله: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات" التي فيها المبدأ الخير كل الخير للإنسانية لأن سبحانه يفتح باب الأمل للمذنبين والمجرمين ويدفع بهم الى التوبة والإقلاع، ولا سبيل أجدى من هذا السبيل لتطهير المجتمع من المظالم والمفاسد.

اللافت في الآيتين:

  • عدم حصر الجهاد بالسيف ضد الأعداء، فالمراد بالجهاد هو كا ما يبذله المؤمن من جهود ومساع لتطهير النفس وبناء الذات، أو لإحباط مؤامرات الأعداء في كل الصعد السياسية والإقتصادية والثقافية، فكل ما تقدم هو جهاد يعود نفعه بلا شك على المسلمين أنفسهم.
  • يجزي الله المجاهدين في سبيله ويعامل كل واحد من أعمالهم معاملة من أتى بأحسن عمل من نوعه فتحتسب صلاتهم على سبيل المثال أحسن الصلاة وإن كانت أحياناً لا تخلو مما يشيبها.

وهكذا أيها السادة المستمعون الكرام إخوة وأخوات نكون قد وصلنا الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، التي باشرنا من خلالها تفسير سورة العنكبوت المباركة.

فإلى حلقة قادمة وتفسير آي أخر من هذه السورة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمته وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة