بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم على النبي الخاتم وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان أهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من القرآن الكريم، نستهله بالآية الثامنة والثلاثين من سورة القصص المباركة:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٣٨﴾
في الحلقة السابقة من البرنامج، أشرنا الى أن فرعون وملأه كذبوا رسالة موسى عليه السلام وما جاء به من المعجزات الباهرات والآيات البينات وقالوا ما هذا إلا شيء مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين.
وفي الآية المتقدمة تتحدث عما أقدم عليه فرعون لمواجهة موسى والحيلولة دون نفوذ قول الحق في المجتمع وعموم الناس بعد أن أعياه الجواب وعجز من محاجة نبي الله موسى عليه السلام، فقال للملأ وهم أشراف قومه (ما علمت لكم من إله غيري) يعني: أنه ظهر للملأ أنه لم يتضح لفرعون من دعوة موسى وآياته أن هناك إلها هو رب العالمين ولا حصل له علم بأن هناك إله غيره، لذا أمر بأن يبني له هامان صرحاً لعله يطلع إلى إله موسى.
وقد يكون المراد أن يبني له مرصداً ليرى ما إذا كان في الكواكب ما يدل على بعثة رسول أو حقيقة ما يصفه موسى عليه السلام ويدعو إليه ولم يغفل فرعون عن الإشارة الى تكذيبه لموسى عليه السلام وعدم تصديقه بقوله فقد ختم كلامه بالقول (وإني لأظنه من الكاذبين) ونستفيد من هذه الآية أمور منها:
- الكبر، الغرور والروح الإستكبارية أمور تحول دون قبول الحق.
- إغواء العوام والتغرير بهم بدعوى إحقاق الحق، من سبل المستكبرين لتضليل الرأي العام.
يخال للمستكبرين، أنهم محور الأشياء كلها ومركز ثقلها وأيضاً مالكو الأرض والحاكمون فيها ولا يقرون لسواهم بأي حق، واليوم هناك قوى تحاكي الفراعنة في تصرفاتها وتحسب أن لها الكلمة الفاصل في العالم ولها أن تعمل ما يحلو لها.
والآن نبقى مع الآيتين التاسعة والثلاثين والأربعين من سورة القصص المباركة:
وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴿٣٩﴾
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴿٤٠﴾
استكبر فرعون وجنوده ورفعوا أنفسهم فوق مقدارها بالباطل والظلم واستكبروا عن قبول الحق في اتباع موسى عليه السلام وذلك لأنهم أنكروا البعث وشكوا فيه فكانت نهاية فرعون ومن معه في الحياة الدنيا أن أغرقهم الله جميعاً في نهر النيل العظيم ليكون مقبرة لهم بعد ما كان رمز حياتهم وقدرتهم وجبروتهم وثرائهم، ولكي تبقى عاقبتهم السيئة عبرة لمن يفكر بالتجبر والإستكبار.
ففي الآيتين إشارة الى أمرين رئيسين في حكم فرعون وملأه، اللذين كانا وراء سقوطهم وإبادتهم، هذان الأمران هما الروح الإستكبارية واستعلائهم على الناس أولاً، واستعباد الناس وظلمهم للضعفاء وسلبهم حقوقهم الطبيعية.
علمتنا الآيتان:
- ينبغي الحذر من الإستكبار على الحق والحقيقة والتصدي لهما، فعاقبة من ذلك الموت والهلاك وخسران الدنيا والآخرة.
- إن عدم الإيمان بالمعاد ويوم الحساب يثير الإنسان النزعة الإستكبارية وهذا أساس ضلال الظلمة والمستكبرين وما يرتكبونه من مظالم وجرائم.
- العقاب الإلهي لا يقتصر على يوم الحساب أو اليوم الآخر، فسبحانه تعالى يذل المستكبرين ويقهرهم حتى في هذه الحياة الدنيا.
- إن للظالمين والمتجبرين مصيراً واحداً، على مدى التاريخ.
والآن نصغي وإياكم مستمعينا الأكارم لقوله تعالى في الآيتين الحادية والأربعين والثانية والأربعين من سورة القصص المباركة:
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ﴿٤١﴾
وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴿٤٢﴾
إن الله أظهر حال المستكبرين على لسان أنبيائه حتى عرفوا فكأن سبحانه جعلهم كذلك، ومفهوم دعائهم الى النار أنهم يدعون لقبائح الأفعال كالكفر والمعاصي الموجبة لدخول النار وهم (ويوم القيامة لا ينصرون) أي لا ينصر بعضهم بعضاً ولا ينصرهم سواهم وهؤلاء تلاحقهم اللعنات أي البعد عن الرحمة والخيرات، وقيل أن المعنى هو: ألزمناهم اللعنة في هذه الدنيا بأن أمرنا المؤمنين بلعنهم فلعنوهم (ويوم القيامة هم من المقبوحين) أي من المهلكين وثيل: من المشوهين خلقاً بسواد الوجوه وزرقه الأعين. وقيل أيضاً: من الممقوتين المفضوحين.
أفادتنا الآيتان:
- لا ناصر يوم القيامة ولا معين لمن كان في دنيا يعول على ما أوتي من قدرة وإمكانات، فإنه لا يقوى على إنقاذ حتى نفسه فكيف به إنقاذ الآخرين.
- لعن الجبابرة والطغاة والظالمين والدعاء عليهم وعلى شعارهم هو مما أمر به الله وأجازه سبحانه.
- لا شك في أن من ينتهج سبيل الكفر والضلال لا ينال إلا سخط الخالق ومأواه جهنم وبئس المصير.
ما يعمله الإنسان في الدنيا، ينعكس عليه يوم القيامة إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، كما يصرح بذلك قوله تعالى في سورة يونس (هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون). وفي سورة الزلزلة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).
أعزاءنا مستمعينا الأكارم إنتهت هذه الحلقة، فإلى لقاء جديد وحلقة جديدة نستودعكم الله والسلام عليم ورحمة الله وبركاته.