بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في حلقة أخرى من برنامج (نهج الحياة) حيث نواصل تفسير آيات أخرى من سورة الحج المباركة ونبدأ بالآية السابعة منها:
وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّـهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ﴿٧﴾
هناك من الناس من يشك في وقوع القيامة، لكن القرآن يثبت بما لا يرقى إليه الشك أن يوم المعاد آت لا ريب فيه وأن جل جلاله يبعث من في القبور؛ فهو الذي خلق الإنسان من تراب ووهبه الروح والحياة، ومع ملاحظة كل هذا يكون في قدرة الله أن يميت الإنسان ثم يعيده تارة أخرى، وبعد كل هذا يتضح لنا أن الموت ليس نهاية للحياة كما يحاول أن يتصور البعض، لا، إنه البداية لحياة البرزخ والإنسان مستأمن فيها حتى قيام الساعة والله تعالى شأنه يقول [ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون]. أي إن البرزخ هو الفاصل بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة التي مبدأها قيام الساعة.
ويفيدنا نص الآية السابعة من سورة الحج الكريمة الآتي:
- لا ينبغي أن يشك أحد في قدرة الله، فهو القادر المتعال إذا قال لشيء كن فيكون، وهذا المعنى ينطبق على الخلق والموت والإحياء.
- إن المعاد هو معاد جسماني لأنه تعالى يحيي العظام وهي رميم ويعيد الإنسان سيرته الأولى، تبارك شأن ربنا وعزت أسماؤه.
ويقول تعالى في الآيات الثامنة والتاسعة والعاشرة من سورة الحج:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴿٨﴾
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿٩﴾
ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿١٠﴾
يتحدث هذا النص الشريف حول الجدال بغير حق، أنه جدال المعاندين مع المؤمنين؛ المؤمنون يؤمنون بالمبدأ والمعاد والمعاندون لا يؤمنون بهما.
إن التكبر هو الذي يدفع المعاندين للجدال بغير الحق، وهؤلاء الكفار يريدون حرف الناس عن جادة الصواب التي إنحرفوا هم عنها، إن الجدال في معناه الإيجابي مقبول في الإسلام والله تعالى يخاطب نبيه الكريم محمد (ص) يقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) صدق الله العلي العظيم.
وعلى أي حال أن الجدال بالحق هو الذي يقوم على أساس الأدلة والبراهين وبما يطابق العقل والمنطق، إن الذين يجادلون بغير حق لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ولهم الخزي والعار ألا ساء ما كانوا يفعلون؛ وفي القيامة تكون النار مأواهم ذلك بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد.
والدروس المستفادة من هذا النص هي:
- إن النقاش والحوار الديني لابد أن يكون على أساس الإستدلال لا على أساس التعصب فالأول هو الذي يأتي ثماره لا الثاني.
- إن كل عمل سيء له عقاب يناسبه فالتكبر مثلاً عقابه الخزي والفضيحة.
وآخر آية نفسرها في هذه الحلقة هي الآية الحادية عشرة من سورة الحج المباركة وهي قوله تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴿١١﴾
تتحدث هذه الآية الشريفة حول ضعيفي الإيمان وكونهم على حافة الكفر، الإيمان على ألسنتهم لكن قلوبهم من الإيمان خواء، فهم يظهرون الإيمان إذا ما كانوا في نعمة ورخاء، لكن إن حل بهم الإبتلاء والمحن أفضحوا عما يجول في قلوبهم من الكفر بحيث لا يظهر الإيمان على ألسنتهم كذلك، وبعبارة أخرى أن دين هؤلاء تابع لدنياهم، إن أقبلت عليهم أقبلوا على الدين وإن أدبرت عليهم أدبروا عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لكن ينبغي أن يعلم الناس أن الدنيا هي دار الإمتحان وما البلايا والمحن إلا من أنواع هذا الإمتحان؛ "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون".
والمأخوذ من نص الآية الحادية عشرة من سورة الحج:
- لا ينبغي أن يغتر الإنسان بإيمانه لأنه لا يدري هل سوف يحافظ عليه حين الصعاب والملمات أم لا؟
- إن الصبر على المصائب هو من علائم الإيمان الراسخ، فاصبروا إن الله مع الصابرين.
جعلنا الله وإياكم من الصابرين المحتسبين ووفقنا لمراضيه ليكون مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
حضرات المستمعين الأفاضل، هكذا إنتهت هذه الحلقة من نهج الحياة، إلى اللقاء والسلام عليكم.