بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على نبي الرحمة والهدى أبي القاسم محمد بن عبد الله (ص) وآله الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة لا نزال وإياكم في رحاب سورة الأنبياء (ع)، وقد عرضنا تفسيراً لـ 61 آية منها، واليوم نواصل تفسير آيات أخرى من هذه السورة المباركة ونبدأ بالإستماع إلى تلاوة الآيتين الثانية والستين والثالثة والستين:
قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٢﴾
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴿٦٣﴾
في الحلقة السابقة مر علينا أن سيدنا إبراهيم (ع) الداعي إلى التوحيد والمحارب بكل كيانه للشرك، إستثمر فرصة العيد للقضاء على الأصنام.
أجل، حينما كان الناس في نزهة العيد، ذهب إبراهيم (ع) إلى معبدهم وحطم ما كان فيه من أصنام إلا الصنم الأكبر، أبقاه ووضع الفأس في رقبته.
ولما عاد الناس إلى المدينة ورأوا ما حل بأصنامهم، استدعوا إبراهيم (ع) للمحاكمة. وما يأتي في هذه الحلقة هو الحوار الذي جرى بين محطم الأصنام ابراهيم (ع) وعباد تلك الأصنام الصماء.
إن سيدنا إبراهيم (ع) إضافة إلى ذلك الدرس العملي أعطى لقومه درساً نظرياً إذ حثهم على التفكر والتأمل، حيث قال لهم ما مؤداه؛ بإمكانكم سؤال الصنم الكبير، هل له أن يجيب؟ ألا تتصورون أن الصنم الكبير هو الذي فعل كل الذي رأيتموه لعله أراد أن يقضي على منافسيه. وإذا لا تريدون تصديقي فاسألوا سائر الأصنام المكسرة، أنظروا ماذا تقول لكم؟
وأما الدروس المستفادة من هذا النص فهي:
- إن الدعوة إلى الحق لا تقتصر على إطار الكلام، بل إن العمل هو الآخر من سبل الدعوة الإلهية، أليس الإمام الصادق (ع) يقول [كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم].
- في هذا الإتجاه يأتي أيضاً دور الإعلام بوسائله الحديثة وحتى الفنون مثل الأفلام والمسرحيات وما إليها.
ويقول تعالى في الآيتين الرابعة والستين والخامسة والستين من سورة الأنبياء (ع):
فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ ﴿٦٥﴾
إن ما فعله إبراهيم (ع) هو عين الصواب، إنه أيقظ بعمله هذا، الضمائر النائمة وأحيى العقول الميتة.
لقد أيقن قوم إبراهيم أن هذا الرجل الإلهي لم يظلمهم حينما حطم أصنامهم، إنما لأنفسهم كانوا ظالمين حينما كانوا على أصنامهم وأوثانهم عاكفين.
لكن الذي يؤسف له أن قوم إبراهيم لم يهتدوا طريق الحق بعد ما أيقنوا أن إبراهيم كان على الحق، لقد عادوا للجدال معه وقالوا له كيف تريد أن تجيبنا الأصنام المكسرة؟ هل أنت تريد بنا هزواً؟
أما ما يفيده هذا النص المبارك فهو التالي:
- إن من أهم أهداف رسالات السماء وبعثة الأنبياء، إيقاظ الضمائر النائمة والأخذ بيد الناس إلى حيث الفطرة السليمة التي فطر الله إياهم عليها.
- من أساليب التربية لدى الأنبياء والرسل الكرام الأساليب غير المباشرة في التعامل مع الأحداث.
- إن التعصب والعناد حجابان يعميان أعين الناس أعميا أبصارهم وبصائرهم.
ولنصغي الآن إلى تلاوة الآيتين السادسة والستين والسابعة والستين من سورة الأنبياء الشريفة:
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴿٦٦﴾
أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾
إن سيدنا إبراهيم (ع) وبعد أن رأى من قومه إصرارهم على عبادة الأصنام رغم ما عرفوا من الحق، نبه قومه إلى أن عبادتهم هي لأصنام لا تنفع ولا تضر، وبذلك دعاهم إلى التفكر في جدوى وفائدة مثل هذه العبادة.
إن إبراهيم (ع) علم الناس درساً في غاية الأهمية وهو نبذ التقليد الأعمى في العقيدة وانتهاج منهج العقل والتفكر.
والآن إلى الدروس المستفادة من هذا النص ومنها ثلاثة هي:
- إن الدافع للعبادة هو جلب الخير ودفع الشر وهذان لا يقدر عليهما إلا الله جل جلاله إذ بيده أزمة أمور الكون وهو على كل شيء قدير.
- إن استخدام أسلوب إثارة الأحاسيس والمشاعر للوصول إلى الحق والإبتعاد عن الباطل أمر مقبول لا يرفضه العقل ولا يرده الشرع.
- إن الذين يمشون في طريق التعصب والعناد يستحقون اللوم والتوبيخ.
نسأل الله تبارك شأنه أن يثبتنا وإياكم بالقول السديد في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنه خير مجيب للدعاء.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا انتهت حلقة أخرى من نهج الحياة، نحن وإياكم على موعد آخر حول هذه المائدة القرآنية إن شاء الله.
طبتم وطابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.