بسم الله الرحمن الرحيم وبه تعالى نستعين والصلاة والسلام على الهادي الأمين المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، أعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم الى حلقة أخرى من هذا البرنامج الذي سنبدؤه بتلاوة عطرة للآيات 89 الى 91 من سورة الكهف، فلننصت اليها خاشعين:
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴿٨٩﴾
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا ﴿٩٠﴾
كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ﴿٩١﴾
علمنا من الآيات السابقة، مستمعينا الكرام، أن أحد أولياء الله قد علمه الله سبحانه وتعالى من علمه فأخذ يسافر في أنحاء العالم المختلفة ويحل مشاكلها فسافر ذوالقرنين الى مغرب الأرض وأقام العدل بين الناس، وسافر الى مشرق الأرض أيضاً، وهذا ما تشير إليه هذه الآيات، وإن أهالي المنطقة التي دخلها ذوالقرنين كانوا يحيون حياة بسيطة، فلم يكونوا يحيون في بيوت ولم يكن لهم ما يظلهم من الشمس، وحسب الروايات أنهم حتى لم تكن تسترهم ملابس من الشمس التي تلفح أجسادهم، ولم يخبرنا القرآن عما كان يفعله ذوالقرنين هناك، ولكنه وضح ظروف أهالي تلك المنطقة كي تتبين لنا أوضاع تلك المنطقة التاريخية والجغرافية.
من هذه الآيات نستنتج:
- إن أولياء الله يبذلون ما بوسعهم لنجاة المحرومين ونشر العدل والرفاهية.
- إن حكام المجتمع عليهم الحضور بأنفسهم في المناطق المختلفة ليشاهدوا عن كثب مشاكل المحرومين والمستضعفين ويعملون على حلها.
والآن أعزائي المستمعين سننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآيات 92 الى 94 من سورة الكهف:
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴿٩٢﴾
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ﴿٩٣﴾
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴿٩٤﴾
هذه الآيات، أيها الأخوة والأخوات، تشير الى منطقة ثالثة دخلها ذوالقرنين، وكما عبر القرآن عنها إن أهلها كانوا متخلفين حضارياً ويعيشون في منطقة نائية بين الجبال وليس لهم علاقات بأقوام أخرى.
عندما رأى هؤلاء القوم قدرات وإمكانيات ذي القرنين، طلبوا منه أن يجعل بين الجبلين سداً وكان خلف يعيش بالقرب منهم أقوام وحشية (يأجوج ومأجوج) يهاجمونهم بين الفينة والأخرى ويؤذونهم فطلبوا منه أن يبني سداً بين الجبلين بحيث لاتتمكن هذه الأقوام الوحشية من اختراقه ومهاجمتهم، وتعهدوا بتقديم كل ما يحتاج إليه وأي كلفة يطلبها منهم.
وقد وصف القرآن الكريم في هذه الآيات هؤلاء القوم بأنهم (لايفقهون قولاً) أي لايفقهون لغة ذي القرنين، وهنا يمكن أن نستنتج أن هؤلاء إنما استطاعوا أن يوحوا لذي القرنين ما يطلبونه منه، إما بالإشارات أو إنه فهم مايبغون بوحي إلهي.
الجدير ذكره أن ذا القرنين قد أجاب هؤلاء القوم وفعل ما طلبوه منه وإنه بنى لهم سداً قوياً متيناً لم يزل قائماً لحد الآن، وهذا إنما يدل على ضرورة تحقيق الأمن والأمان للمجتمع وإنه من واجب الحكام أن يوفرون الحياة الآمنة والسعيدة لشعوبهم، وإنجاز ما تتطلبه ظروفهم حتى وإن كان عملاً مرهقاً ومكلفاً، ولا يتضمن أية فائدة إقتصادية.
وطبعاً لم يفعل ذوالقرنين ذلك لوحده دون مشاركة القوم وذلك ليشعروا بأهمية وقيمة هذا المشروع العظيم.
أثبتت البحوث الجغرافية أن هذا السد يوجد الآن في القفقاز، بين سلسلة جبال يقف شامخاً كالجدار ليفصل الشمال عن الجنوب؛ أما عن شخصية ذي القرنين فهناك نظريات مختلفة، أهمها إثنتان: الأولى إنه كان الأسكندر المقدوني الذي جاب العالم شرقه وغربه وقام بفتوحات كبيرة، ولكن تاريخ بناء سد كهذا لم يرد في أخباره، والمستندات التاريخية أيضاً لاتؤيده.
النظرية الثانية، وكما جاء في نصوص ذكرت في التوراة وتنطبق مع ما ذكره مؤرخون معروفون، فهو أنه كان كوروش الملك الأخميني الإيراني، والذي كان يرتدي خوذة بها قرنان وقد جاب العالم من شرقه الى غربه وإنه بنى ذلك السد الحديدي في منطقة القفقاز.
من هذه الآيات نستنتج:
- إذا احتاج مجتمع ما الى شيء فإنه يكون مستعداً لبذل الجهود والأموال والمشاركة في إنجازه وعلى الحكام أن يهتموا بطلبات الناس.
- إن الحاجة الى الأمن أولى من الحاجة الى مسكن وملبس، فالناس الذين لامساكن لهم ولا ملابس قد طلبوا توفير الأمن.
أعزائي المستمعين الى هنا نأتي الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة حتى نلتقيكم في حلقة أخرى نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم.