بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، السلام عليكم أيها الأكارم وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة، حيث تفسير أربع آيات من سورة الإسراء ونبدأ بالآية الخامسة والثمانين منها، إذ يقول جل جلاله:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٨٥﴾
بعث النبي الأكرم (ص) رحمة للعالمين ومنهلاً فياضاً لعلوم الوحي الإلهي، وكان (ص) يجيب على أسئلة الناس ويزيل الشبهات التي تعترض أذهانهم، لكن الناس في عهد الرسالة الزاهر لم يكونوا من نمط واحد، إذ كان فيهم المؤمن وفيهم الكافر.
المؤمنون كانوا يسألون رسول الله (ص) لتتضح لهم الحقائق، بينا الكفار كانوا بأسئلتهم يثيرون الشبهات حول الدين ويرمون إلى إضعاف مكانة الرسالة السامية، وواضح أن هذه الآية تتحدث عن أحد الأسئلة التي وجهت إلى النبي (ص)، والسؤال حول ماهية الروح وكنهها، ومن الجدير أن نذكر هنا أن كلمة "الروح" قد جاءت في القرآن الكريم 20 مرة، وأريد منها ثلاثة معاني؛ المعنى الأول الروح التي تنفخ في جسم الكائن الحي، ومنه الإنسان والمعنى الثاني ملك الوحي أو كما عبر القرآن، الروح الأمين، والمعنى الثالث القرآن ذاته الذي نزل على صدر رسول الله (ص) خلال 23 عاماً من بعثته المباركة.
إن الروح بشكل عام هي مصدر الحياة والمصاديق الثلاثة المذكورة هي مصدر حياة الإنسان والمجتمع، وعلى ما يبدو فإن السؤال في الآية هو عن الروح التي هي أساس الحياة أو الروح الأمين الناقل للشريعة، والآية تبين أن الروح التي يسأل هؤلاء عنها ليست من الماديات التي يمكن إدراكها بالحواس المادية؛ فهي من أمر الله، ومهما أوتي الإنسان من علم لا يستطيع أن يفهم معناها ويحيط بأسرارها.
والمستفاد من هذه الآية:
- إن الروح من الأسرار الإلهية وليس للبشر فهم هذا السر الإلهي.
- إن كل العلوم والمعارف البشرية هي هدية من عند الله تعالى للإنسان، فهو تعالى شأنه "علم الإنسان ما لم يعلم".
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين السادسة والثمانين والسابعة والثمانين من سورة الإسراء:
وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا ﴿٨٦﴾
إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا ﴿٨٧﴾
في هذا النص الشريف إشارة إلى أن الوحي الإلهي والنبوة هما من فضل الله تعالى على العباد، نعم ما يأتي به أي رسول أو نبي، هو من عند الله تعالى، ومن الواضح أن النبي (ص) لم يخطأ ولم يتوهم، بل أن نزول هذا النص الشريف هو لكي يعلم الناس حقيقة النبوة ولا يفرطوا في النبوة أو يفرطو فيها؛ والملاحظ في تاريخ الرسالات أن النصارى مثلاً لم يفهموا حقيقة النبوة ورفعوا سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام، وهو نبي من أنبياء الله، إلى منزلة الألوهية وعالوا في ذلك ولم يصيبوا الحق.
والمستفاد من هذا النص:
- أن بقاء أو زوال النعم بيد الله تعالى، إذاً على الإنسان أن لا يغتر بما عنده، فمن الممكن أن يزال بأمر الله في لحظة واحدة.
- إن القرآن هو من ألطاف الله تعالى ورحمته الواسعة التي شملت الجميع إبتداءاً من رسول الله (ص) وإنتهاءاً بسائر الناس.
ويقول تعالى في الآية الثامنة والثمانين من سورة الإسراء المباركة:
قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴿٨٨﴾
كما هو ثابت عقلاً وشرعاً فإن القرآن الكريم هو من عند الله تعالى وإنه وحيه، جلت قدرته، أوحاه إلى خاتم أنبيائه وسيد رسله، سيدنا محمد بن عبد الله (ص) بواسطة الأمين جبرائيل عليه السلام.
والحال هذه كيف للبعض أن ينسب هذا القرآن إلى غير الله تعالى؟ ولو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فإنهم لا يتمكنون ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
نعم، الحياة الإنسانية لا غنى لها عن الله تعالى ووجوده، لكن الذي يلاحظ ويؤسف له في الوقت ذاته هو ظهور الأفكار العلمانية في بعض المجتمعات المعاصرة، أفكار تتجاهل الوحي الإلهي وهذا الينبوع الفياض من ذات القدس الملكوتي.
إن دعاة العلمنة يدعون أن في إمكانهم حل مشكلات البشر في معزل عن الدين والتعاليم الدينية وهذا أمر باطل ولا أساس له من الصحة.
والذي نأخذه من هذا النص من فوائد هو:
- إن القرآن هو المعجزة الإلهية الخالدة وقد تحدى الله الآخرين في الإتيان بمثله ولم يأت أحد بمثله ولن يأتي، لأنه من الله العزيز القدير؛ إن دعوة القرآن إلى الإتيان بمثله دعوة دائمة في كل زمان ومكان.
- إن العقل البشري بشكل مفرد أو بشكل جماعي لا يمكنه أن يأتي بما يأتي به الله.
والحمد لله رب العالمين والسلام خير ختام.