بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين، السلام عليكم حضرات المستمعين.
نواصل تفسير آيات أخرى من سورة الإسراء المباركة ونبدأ بالآية الحادية والسبعين من هذه السورة وهي قوله تعالى:
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَـٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴿٧١﴾
كل إنسان يختار لتوجيه أفكاره وشؤونه الإجتماعية قائداً يعتبره قدوة في حياته العلمية، وهذا القائد القدوة يعبر عنه القرآن الكريم بالإمام كما جاء في قوله تعالى "يوم ندعوا كل أناس بإمامهم".
وفي يوم القيامة فإن الناس يحشرون مع إمامهم براً كان أم فاجراً؛ ذلك أن الآخرة هي تجسيد ما عمل الإنسان في الدنيا، وإذا كان القائد أمام النور والهداية فإن من تبعه في الدنيا له النجاة في الآخرة، وأما إن كان القائد ضالاً فإن أتباعه يوم القيامة في خسران مبين ولهم النار والحميم، لكن لاريب ولا شك أن محكمة القيامة هي محكمة العدل الإلهي، والله تبارك وتعالى لا يظلم فيها أحداً، وكل نفس بما كسبت رهينة ولا تظلمون نقيراً.
أما الدروس المأخوذة من هذه الآية فهي:
- أن الأثر الناشيء عن اتباع القادة الفكريين أو الإجتماعيين مستمر حتى يوم القيامة وأن الناس في يوم الحساب يصنفون على أساس قادتهم من أئمة الهدى وزعماء الضلال.
- إن الإمامة والقيادة أمر أساسي في حياة الإنسان وهي إما أن تكون مسؤولاً إلى سعادة أو سبيلاً إلى الهلاك.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثانية والسبعين من سورة الإسراء المباركة:
وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴿٧٢﴾
بينت الآية السابقة دور القائد في سعادة الإنسان وشقائه، وتأتي هذه الآية لتتحدث عن العامل الموجود في ذات الإنسان والمؤثر في سعادة الإنسان أو عدم سعادته، وبعبارة أكثر وضوحاً، بالإمكان القول هنا أن لطيب النفس وخبثها دوراً في سعادة الإنسان أو في شقائه، فمن عمي قلبه عن رؤية الحقيقة في الدنيا يحشر يوم القيامة أعمى وأضل سبيلاً، والمراد بالعمى هنا، كما هو واضح، العمى المعنوي لا المادي، أو بعبارة فيها شيء من الدقة عمى القلب لا عمى العين، إذ العبرة بالبصيرة لا بالباصرة.
ومما يستفاد من هذا النص:
- إن القيامة هي انعكاس أعمالنا، وما نزرعه في الدنيا نحصده في الآخرة.
- إن البصيرة في الدنيا تتبعها البصيرة في الآخرة، ومن عميت بصيرته في دنياه كان في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً.
ويقول جل جلاله في الآية الثالثة والسبعين من سورة الإسراء:
وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴿٧٣﴾
إن إحدى خصائص كل نبي أو رسول أو إمام عصمته، والمراد بالعصمة القوة القدسية التي أودعها الله جل شأنه في المعصوم، بحيث لا يرتكب خطأ أو معصية أو يعرض له النسيان لأن النبي أو الإمام هو القدوة الحسنة للناس وأن الله تباركت أسماؤه أراد لرسالاته أن تبلغ للناس من قبل الخيرة من خلقه وهو تعالى أعلم حيث يجعل رسالته.
والذي يبدو من نص الآية، أن المشركين في مكة وبأقوالهم الزائفة ووعودهم الكاذبة، كانوا يريدون الحؤول دون تبليغ الرسالة الإسلامية السمحاء، ويحدثنا التاريخ أن مشركي مكة قد عرضوا على رسول الله (ص) عروضاً مغرية كي يكف عن دعوته وكانوا قد قالوا لعمه أبي طالب إن كان محمداً (ص) يريد مالاً جمعنا له مالاً وجعلناه أكثرنا مالاً، وإن كان يريد ملكاً ملكناه علينا، وكان جواب النبي (ص) أمام هذه المغريات خطاباً لعمه أبي طالب؛ والله ياعم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه.
نعم، على مدى 23 عاماً من بعثته الشريفة، سواء في مكة قبل الهجرة أو في المدينة بعدما وقف رسول الله (ص) الموقف الحازم قبال كل مؤامرات المشركين التي كانت ترمي لحجز الرسالة عن الناس، ومضى (ص) ملبياً أمر ربه "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين".
على أي حال، إن قوة العصمة في وجود أي نبي أو رسول لها دور فاعل في درء مؤامرات الأعداء ضد الديانات والرسالات السماوية، وثمة نقطة نرى لزوم الإشارة إليها هنا وهي أن العصمة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام صفة ملازمة للنبي أو الرسول طيلة حياته منذ مولده وحتى وفاته، وليست خاصة بزمن البعثة، كما يرى الآخرون.
والدروس المستفادة من هذه الآية نوجزها في النقطتين التاليتين:
- إن على القادة الدينيين أن يكونوا على مستوى عال من الوعي واليقظة وأن يعلموا أن الأعداء هم على الدوام في صدد تضعيف الإسلام والمسلمين.
- إن أي صداقة من شأنها إضعاف العقائد الدينية أو القيم الأخلاقية، مرفوضة جملة وتفصيلاً من قبل القرآن الكريم والشرع القويم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينير بصائرنا بنور الإيمان ويثبتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويجعلنا من المستنيرين بنور هداية أنبياءه ورسله وأن يحشرنا معهم يوم القيامة، إنه سميع مجيب والسلام خير ختام.