بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين.
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات في كل مكان وأهلاً بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج القرآني حيث نواصل تفسير آيات أخرى من سورة الإسراء المباركة وهي الآيات 49 و 50 و 51 و 52، ونبدأ بالإستماع إلى تلاوة الآية التاسعة والأربعين إذ يقول عز وجل:
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ﴿٤٩﴾
في الحلقة الماضية وكما يتذكر حضرات المستمعين، ذكرنا أن كفار مكة والمشركين وفي إطار حرب إعلامية ضد الرسالة الغراء اتهموا النبي (ص) بالسحر تارة وتارة أخرى بالجنون. والحقيقة أن الكفار والمشركين قد عميت أعينهم عن رؤية الحق وصمت آذانهم عن سماعه لأن العناد واللجاج داخل نفوسهم المريضة.
والظاهر من هذه الآية أن الكفار أثاروا شبهات حول النبوة والمعاد، الأمر الذي أدخل في نفوس البعض الشك والريبة، والحق نقول أنه لم يكن عند الكفار أي دليل على إنكار المعاد ويوم القيامة.
إن الكفار أثاروا التساءلات حول المعاد الجسماني ولم يكن لديهم دليل على إنكاره وتساءلاتهم جاءت عن عنادهم واستبعادهم وقوع المعاد، ولم يكن يريدون العلم من وراء تلك التساءلات أبداً، وعلى أي حال فإن المستفاد من هذا النص الشريف هو:
- إن إثارة الشبهات من قبل معارضي الرسالات السماوية هو من أجل إضعاف عقائد الناس.
- إن أعداء الأديان السماوية يرون أن الحياة هي فقط في هذه الدنيا وأنه ليس هناك آخرة، إن لسان حالهم يقول أإذا متنا وكنا تراباً أإنا لمبعوثون؟
ويقول تعالى في الآيتين الخمسين والحادية والخمسين من سورة الإسراء المباركة:
قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ﴿٥٠﴾
أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ۖ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا ﴿٥١﴾
يشير هذا النص المبارك إلى تعجب الكفار من كيفية وقوع المعاد الجسماني، إنهم يتساءلون إذا مات الإنسان وأصبح تراباً كيف يحيي مرة أخرى؟ ويجيب القرآن الكريم عن هذا التساؤل بأن هؤلاء الكفار نسوا أنهم كانوا أول الأمر تراباً وقد خلق الله تعالى الإنسان من تراب؟ ويتساءل القرآن هل هؤلاء في شك من قدرة الله تعالى؟
إن الله تعالى قادر على كل شيء وقدير حتى إذا كانت أجسام الكائنات من معادن وليس من عظم ولحم فإنه تباركت أسماؤه يعيدها نشأتها الأولى جل ربنا وعلا.
ومن التساؤلات التي يطرحها العارضون للدين ويوم الدين، هو متى قيام الساعة وأيان يوم الدين؟ ولإجابة على هذا السؤال نقول إن المستفاد من هذا النص ونصوص قرآنية أخرى أن علم الساعة هو عند الله تعالى، حتى الأنبياء والرسل والمقربون من ذات القدس الربوبي لايعلمون متى تقوم الساعة.
على أن عدم العلم بيوم الحساب لا يضر بالعقيدة بوجوبه وأن الساعة آتية لاريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، والحال هنا كالحال بالنسبة للموت إذ الإنسان يعلم أنه ميت لا محالة، لكن ما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت.
ويفيدنا النص المفسر:
- إن الله تعالى بقدرته يحيي أجسام الموتى في يوم المعاد.
- لأن أعداء الدين لا دليل عندهم لرد العقائد الدينية الصحيحة يلجأون إلى أسلوب السخرية والإستهزاء.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثانية والخمسين من سورة الإسراء المباركة:
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٥٢﴾
تؤكد هذه الآية أن المعاد واقع لا ريب في وقوعه، حيث أن الله تعالى يبعث الموتى من قبورهم ويكون الناس على أهبة الإستعداد للحساب، لكن القرآن ينبه الكفار إلى حقيقة أن ما يرونه بعيداً ليس ببعيد. نعم.. إن الإنسان في يوم المعاد يعلم أن حياته الدنيوية وحياته البرزخية لم تكن مدة طويلة.
وآخر ما نريد بيانه هنا هو الدروس المستقاة من هذا النص الشريف وهي:
- إن يوم القيامة هو يوم استدعاء بني الإنسان من آدم عليه السلام إلى آخر من ولده عاش على الأرض من بني آدم.
- إن يوم المعاد هو بوابة الحياة الأخروية بعد الدنيا والبرزخ والآخرة لاريب خير وأبقى.
نسأل الله تعالى أن يجعل عاقبة أمورنا إلى خير وأن يجعلنا من الفائزين في يوم المعاد.